قال رحمه الله تعالى: [والمغايرة على مراتب: أعلاها: أن يكونا متباينين ليس أحدهما هو الآخر، ولا جزأه، ولا بينهما تلازم، كقوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}[الأنعام:١]، {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ}[آل عمران:٣]].
عطف العمل الصالح على الإيمان لا يدخل في هذا المعنى إطلاقاً، وهذا ظاهر، فليس بينهما تباين كالنور والظلمة.
قال رحمه الله تعالى: [ويليه: أن يكون بينهما تلازم، كقوله تعالى:{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٤٢]، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[المائدة:٩٢].
وفي مثل هذا وجهان: أحدهما: أن يكون داخلاً في الأول فيكون مذكوراً مرتين].
ذكر مرتين للاختصاص، فإذا عطف على الشيء جزؤه فإنه يدل على أن أحدهما اختص بشيء، والغالب أن المعطوف يكون أخص، وأن له معنى يزيد على المعطوف عليه، فعطف الصلاة الوسطى على الصلوات دليل على أن هناك أهمية للصلاة الوسطى مع دخولها في أهمية عموم الصلوات، وعطف جبريل وميكال على عموم الملائكة يدل على أن هناك أهمية أو خصائص لجبريل وميكال مع دخولهما في خصائص الملائكة العامة، وكذلك عطف النبي صلى الله عليه وسلم على عموم النبيين يدل على أنه داخل في عموم النبيين وأنه اختص بأمر عظيم آخر، وهكذا مسألة الإيمان والعمل الصالح.
قال رحمه الله تعالى: [والثاني: أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلاً فيه هنا، وإن كان داخلاً فيه منفرداً، كما قيل مثل ذلك في لفظ الفقراء والمساكين ونحوه مما تتنوع دلالته بالإفراد والاقتران.
الرابع: عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين، كقوله تعالى:{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ}[غافر:٣]، وقد جاء في الشعر العطف لاختلاف اللفظ فقط، كقوله: فألفى قولها كذباً ومينا.
ومن الناس من زعم أن في القرآن من ذلك قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:٤٨]، والكلام على ذلك معروف في موضعه].