للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآيات القرآنية الدالة على الرؤية]

قال رحمه الله تعالى: [وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية وتعديته بأداة (إلى) الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله، فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه، فإن عدي بنفسه فمعناه التوقف والانتظار، كقوله: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣]، وإن عدي بـ (في) فمعناه: التفكر والاعتبار، كقوله: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:١٨٥] وإن عدي بـ (إلى) فمعناه: المعاينة بالأبصار، كقوله تعالى: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام:٩٩]، فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر؟! وروى ابن مردويه بسنده إلى ابن عمر قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] قال: من البهاء والحسن {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣]، قال: في وجه الله عز وجل).

عن الحسن قال: نظرت إلى ربها فُنُضِّرت بنوره.

وقال أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣]، قال: تنظر إلى وجه ربها عز وجل.

وقال عكرمة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] قال: من النعيم، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] قال: تنظر إلى ربها نظراً.

ثم حكى عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله، وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث.

وقال تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] قال الطبري: قال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك رضي الله عنهما: هو النظر إلى وجه الله عز وجل.

وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦]، فالحسنى: الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجهه الكريم، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، كما روى مسلم في صحيحه عن صهيب قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟! فيكشف الحجاب، فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئاً أحب إليهم من النظر إليه، وهي الزيادة).

ورواه غيره بأسانيد متعددة وألفاظ أخر معناها أن الزيادة: النظر إلى وجه الله عز وجل، وكذلك فسرها الصحابة رضي الله عنهم، روى ابن جرير عن جماعة منهم: أبو بكر الصديق وحذيفة، وأبو موسى الاشعري، وابن عباس رضي الله عنهم.

وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، احتج الشافعي رحمه الله وغيره من الأئمة بهذه الآية على الرؤية لأهل الجنة، ذكر ذلك الطبري وغيره عن المزني عن الشافعي.

وقال الحاكم: حدثنا الأصم حدثنا الربيع بن سليمان قال: حضرت محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]؟ فقال الشافعي: لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا].