[أزلية صفات الله تعالى وضلال من قال بقدرة الله على الفعل بعد امتناعها]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [والشيخ رحمه الله أشار بقوله: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه) إلى آخر كلامه إلى الرد على المعتزلة والجهمية ومن وافقهم من الشيعة، فإنهم قالوا: إنه تعالى صار قادراً على الفعل والكلام بعد أن لم يكن قادراً عليه؛ لكونه صار الفعل والكلام ممكناً بعد أن كان ممتنعاً، وأنه انقلب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي! وعَلَى ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما، فإنهم قالوا: إن الفعل صار ممكناً له بعد أن كان ممتنعاً منه].
كل هذه لوازم التزمها هؤلاء؛ بسبب خضوعهم للجهمية والفلاسفة، فحينما ذهبوا لبعض مقولات الفلاسفة والجهمية وقعوا في هذه البلية، وإلا فلو أخذوا بما أخذ به السلف من الوقوف في أمور الغيب على كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وعدم الخوض في هذه الأمور بغير علم؛ لما وقعوا في هذه اللوازم.
أقول: منشأ هذا الكلام الذي قالوه -وهو قولهم بأن الله تعالى تكلم بعد أن لم يكن متكلماً وأنه فعل بعد أن لم يكن فاعلاً، وأن الفعل صار ممكناً بعد أن كان ممتنعاً- كل ذلك منشؤه مسألة واحدة، وهي أن هؤلاء المتكلمين صدقوا أسلافهم في أن تجدد القدرة لله تعالى يعتبر من الحوادث، والله منزه عن الحوادث، وهذا كله وهم في أصله وفي فرعه، فالمعتزلة ومن قبلهم من الفلاسفة قالوا بأن تجدد القدرة يدل على وقوع الحوادث في الله تعالى أو به تعالى، وهو منزه عن الحوادث، فإذا كان منزهاً عن الحوادث فكل شيء من أفعال الله تعالى يعتبر مستأنفاً، فهو حادث، وعلى هذا ينفى عن الله.
فلذلك أنكروا أن يكون الله سبحانه وتعالى تكلم بالقرآن فقالوا -بالمعنى الذي فهموه هم ووقع في أذهانهم تشبيهاً-: إن الكلام يعني حدوث أشياء في الله تعالى لم تكن، وهي الكلام والحروف والأصوات.
وهذه كلها لوازم لا تلزم أولاً، وإخضاع ذلك إلى قاعدة عقلية إنما هو وهم، والله سبحانه وتعالى منزه عما توهموه، فالله تعالى ليس كمثله شيء، فكل هذه الأوهام لا اعتبار لها.
وسيأتي الكلام عن هذا التفصيل في مسألة الحوادث ووقوعها في الله تعالى أو به أو منه إلى آخره، وهذه الأمور إن أمكن طالب العلم أن يكف عنها فهو الأولى، لكن إذا اضطر للرد على مثل هؤلاء فلابد من أن يلتزم الحق ويحترز كثيراً، يجب الاحتراز عندما نتكلم في مثل هذه الأمور، ولا نتكلم في الله تعالى ابتداء، إنما نتكلم فيما يقع بعباراتهم لردها لا لتقريرها.