قال رحمه الله تعالى: [وروى الإمام أحمد أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء، أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول: نعم.
قال: فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئاً، فأبيت إلا أن تشرك بي) وأخرجاه في الصحيحين أيضاً.
وفي ذلك أحاديث أخر أيضاً كلها دالة على أن الله استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل النار وأهل الجنة.
ومن هنا قال من قال: إن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد.
وهذه الآثار لا تدل على سبق الأرواح الأجساد سبقاً مستقراً ثابتاً، وغايتها أن تدل على أن بارئها وفاطرها سبحانه صور النسمة وقدر خلقها وأجلها وعملها، واستخرج تلك الصور من مادتها ثم أعادها إليها، وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له، ولا يدل على أنها خلقت خلقاً مستقراً واستمرت موجودة ناطقة كلها في موضع واحد ثم يرسل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة، كما قاله ابن حزم.
فهذا لا تدل الآثار عليه، نعم الرب سبحانه يخلق منها جملة بعد جملة على الوجه الذي سبق به التقدير أولاً، فيجيء الخلق الخارجي مطابقاً للتقدير السابق كشأنه سبحانه في جميع مخلوقاته، فإنه قدر لها أقداراً وآجالاً وصفات وهيئات، ثم أبرزها إلى الوجود مطابقة لذلك التقدير السابق].
مسألة الحديث عن سبق الأرواح أو الأجساد مسألة غيبية، لا سيما فيما يتعلق بالأصل، أما ما يتعلق بأطوار الخلق فالنصوص صريحة وواضحة في أن الله عز وجل خلق الأجساد ثم نفخ فيها الأرواح، بمعنى: أن آدم خلق الله جسده أولاً كما ورد في النص الصحيح، ثم نفخ الله فيه الروح.
وكذلك بنو آدم يخلق الله أولاً أجسادهم كما هو معروف بالنطفة والعلقة والمضغة، ثم بعد ذلك تنفخ في كل إنسان روحه، بمعنى: أن الروح تكون بعد الجسد، وهذا أمر نعلمه.
أما أيهما أسبق في أصل الخلق الأزلي؛ فهذه مسألة غيبية لا داعي للخوض فيها والكلام فيها، إنما هي من الكلام في الغيب وقول على الله بغير علم.