عبد الرحمن الصنابجي عن أبي بكر الصديق مرفوعًا: قال الله- عز وجل-: (إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي ... ) ورواه أبو أحمد عبد الله بن عدي- في كتاب الكامل-.
وروى صاحب الترغيب والترهيب- أيضًا- بسنده عن أسامة بن شريك الثعلبي مرفوعًا:"من لا يشكر الناس لا يشكر الله، ومن لا يرحم لا يرحمه الله، ومن لا يغفر لا يغفر الله- تعالى- له". وروى الإمام أحمد، والحاكم والأصبهاني من حديث معاوية بن قرة، عن أبيه- رضي الله عنه- أن رجلًا قال: يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها. أو قال: إني أرحم الشاة أن أذبحها.
قال:"والشاة إن رحمتها رحمك الله- تعالى".
قال الحاكم: صحيح الإسناد.
فينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون كالوالد إذا أدب ولده، فإنه لو كف عن تأديبه كما تفعل الأم، رقة ورحمة لفسد الولد، وإنما يؤدبه، رحمة به وإصلاحًا لحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب بعد ذلك.
وروى أبو بكر البيهقي- من شعب الإيمان- بسنده، عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعت أبا سليمان الداراني- قدس الله سره- يقول: إنما الغضب على أهل المعاصي لجرأتهم عليها. فإذا تذكرت ما يصيرون إليه من عقوبة الآخرة دخلت القلوب الرحمة لهم. وقيل لبعض السلف: بأي شيء تعرفون الأولياء لله- عز وجل-؟ قالوا: بلطف ألسنتهم وحسن أخلاقهم، وبشاشة وجوههم وسخاوة نفوسهم، وقبول عذر من اعتذر إليهم وتمام ذلك الشفقة على الخلق برهم وفاجرهم.
وليس من مقتضى رحمة أهل المعاصي ترك الإنكار عليهم واستيفاء الحدود منهم وغير ذلك، بل من كمال الرحمة بهم الإنكار عليهم وردهم إلى المنهج القويم والصراط المستقيم.
وإذا انحرفت النفس من خلق الرحمة انحرفت إلى قسوة قلب، وإما إلى ضعف قلب وجبن، كمن لا يقدم على ذبح شاة ولا إقامة حد ولا تأديب ولد، ويزعم أن الرحمة تحمله على ذلك. وقد ذبح أرحم الخلق بيده صلى الله عليه وسلم في موقف واحد ثلاثمائة وستين بدنة وقطع الأيدي من الرجال والنساء، وضرب الأعناق، وأقام الحدود ورجم بالحجارة حتى مات