ورواه الحسن بن سفيان بسنده ولفظه: " فينزل المعونة من السماء على قدر المؤنة وينزل الصبر على قدر المصيبة".
ابتلاهم فرضوا وصبروا وأنعم عليهم فاعترفوا وشكروا وجاؤوا بكل ما يرضى ثم اعتذروا وجاهدوا العدو بصبر فما انقشعت الحرب حتى ظفروا.
وأنشدوا:
لله در أناس أخلصوا عمًلا ... على اليقين دانوا بالذي أمروا
أولاهم نعمًا فازداد شكرهم ... ثم ابتلاهم فرضًا بما صبروا
فهذا المذكور في هذا الباب من صفات الأتقياء الأوفياء من الآمرين والناهين لأن من كان ناظرًا إلى الله تعالى - في جميع أحواله صغر في عينه ما سواه من خلقه إذا علم أنه لا يملك الضر والنفع سواه لا إله سبحانه هو الله.
فمن اجتمعت فيه هذه الأخلاق السابق ذكرها في هذا الباب سلك به طريق السلامة من الآفات الداخلة عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فعلى قدر صدق المتخلق تثبت فيه وتصير سجية له كما روي عن أبي عبد الله وهب بن منبه رحمة الله عليه أنه ما من عبد يتخلق بخلق أربعين صباحًا إلا جعله الله طبيعة فيه.
فعند ذلك ارجو أن يعان على قصده الصالح وينجح أمره ونهيه كما قال عمر بن عبد العزيز: عون الله لعبده على قدر نيته فمن تمت نيته تمت معونة الله تعالى له.
وقد حكي عن إبراهيم الخواص -قدس الله روحه- أنه خرج لإنكار منكر فنبح عليه كلب فما قدر على الوصول لمكان المنكر فرجع إلى مسجده وتفكر ساعة ثم قام فجعل الكلب يبصبص حوله ولا يؤذيه حتى أزال المنكر فسئل عما جرى له؟ فقال: إنما نبح علي لأن الفساد دخل علي في عقد نيتي بيني وبين الله تعالى فلما رجعت ذكرته فاستغفرت.
فبهذه الآداب المستحبات يصير الأمر بالمعروف لفقدها منكرًا والنهي عن المنكر زوراً مفترى.
فنسأل الله العصمة من الزلل والتوفيق لصالح العمل وأن ينهض -للقيام بذلك- ماضي عزمنا ويوقظ له عين حزمنا بمنة وطوله وقوته وحوله.
والحمد لله لا أبغي به بدًلا، حمدًا كثيرًا دائمًا أبدًا ثم الصلاة على خير الورى وعلى ساداتنا آله وأصحابه الفضلاء.