[فصل- ٨ - : من صور جزاء التقصير في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللعن وهو الطرد من رحمة الله]
وأما قوله- تعالى-: {لعن الَّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
أخبر بأنه- سبحانه- لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل.
قال ابن عباس: لعنوا على عهد موسى في التوراة، وعلى عهد داود في الزبور، وعلى عهد عيسى في الإنجيل، وعلة عهد محمد في القرآن.- صلوات الله عليهم أجمعين. لأن التوراة لسان موسى والزبور لسان داود، والإنجيل لسان عيسى، والقرآن لسان محمد.
قال أثير الدين أبو حيان في تفسيره: والظاهر من الآية الإخبار عن أسلاف اليهود والنصارى أنهم ملعونون. وبناء الفعل للمفعول به يحتمل أن يكون الله هو اللاعن لهم على لسان داود وعيسى، ويحتمل أن يكونا هما اللاعنين لهم ولما كانوا يتبجحون بإسلامهم، وأنهم أولاد الأنبياء أخبروا أن الكفار- منهم- ملعونون على لسان أنبيائهم.
واللعن: الطرد من رحمة الله- تعالى-:
وقوله- تعالى-: {ذلك بما عصوا} أي ذلك اللعن كان بسبب عصيانهم وذكر هذا على سبيل التوكيد. {وكانوا يعتدون} يحتمل أن يكون معطوفًا على عصوا أي بكونهم يتجاوزون الحد في العصيان وينتهون إلى أقصى غاياته.
وقوله- تعالى-: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} ظاهره التفاعل بمعنى الاشتراك أي لا ينهي بعضهم بعضًا عن المنكر، وذلك أنهم جمعوا بين فعل المنكر والتجاهل به وعدم النهي عنه، فإذا فعلت المعاصي جهارًا، وتواطأ الناس على عد الإنكار كان ذلك تحريضًا على فعلها (وسببًا) مثيرًا لإفشائها وكثرتها.
وهذا غاية التشديد، إذ علل استحقاقهم اللعنة بتركهم النهي عن المنكر فمن فعل منكرًا ولم ينه غيره عن فعل منكر (فقد جمع بين معصيتين: معصية فعل المنكر، ومعصية عدم النهي عنه).