على أن يلعبا معاً فما كان إلا كلا ولا حتى غلب ابن عمار ملك الإفرنج غلبة ظاهرة لجميع الحاضرين لم يكن له فيها مطعن فقال له ابن عمار هل صح أن لي حكمي قال نعم. فما هو قال أن ترجع من هاهنا إلى بلادك فأسود وجه الملك وقام مقعد ورجع عن قصد الفتنة بعد أن أخذ إتاوة عامين بفضل ابن عمار. ومن نكت الكتاب ما رواه من أن أبا العلاء صاعد بن الحسن الربعي دخل على المنصور أبي عامر يوماً في مجلس أنسه وقد كان تقدم له أن اتخذ قميصاً من رقاع الخرائط التي كانت تصل إليه فيها الأموال منه فلبسه تحت ثيابه فلما خلا المجلس ووجد فرصة لما أراد تجرد وبقي في القميص المتخذ من الخرائط فقال له ما هذا يا أبا العلاء فقال هذه الخرائط التي وصلت إليّ منها صلات مولانا اتخذتها شعاراً وبكى واتبع ذلك من الشكر فصلاً كان رواه فاعجب ذلك المنصور وقال له لك عندي مزيد وكان كما قال.
وألف له أبو العلاء هذا كتباً فمنها كتاب سماه كتاب الفصوص على نحو كتاب النوادر لأبي علي القالي واتفق لهذا الكتاب من عجائب الاتفاق أن أبا العلاء دفعه حين كمل لغلام له يحمله بين يديه وعبر النهر نهر قرطبة فخانت الغلام رجله فسقط في النهر هو والكتاب فقال في ذلك بعض الشعراء وهو ابن عبد الله محمد بن يحيى المعروف بابن العريف بيتاً مطبوعاً بحضرة المنصور وهو
قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا كل ثقيل يغوص
فضحك المنصور والحاضرون فلم يرع ذلك صاعداً ولا هاله وقال مرتجلاً مجيباً لابن العريف
عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر البحار الفصوص
ومما يستفاد من هذا الكتاب وهو حريٌّ بأهل هذا العصر أن يتدبروه ما ذكره لبعض الأولاد ممن لا يتجاوزون الخامسة عشرة من الشعر والنثر فمن ذلك قصيدة للرصافي الشاعر قالها في حضرة الخليفة في يوم الحفل ولم تكمل له عشرون سنة ورسالة أوردها لصبي بعث بها للمؤلف من مدينة سوس يخبره بفتح عظيم تم على يد السلطان وقطع دابر من كان نازعاً إلى الفتنة وهي من اللطافة بحيث يتعذر على كثير ممن يسمون العلماء الأفاضل لعهدنا أن يكتبوا مثلها أو دونها بدرجات.