للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عظيمة نقرت على الصخر على صورة هائلة تدل على أنها مدافن أغنياء وأمراء لا مقابر فلاحين فقراء وفي كل قرية فقراء وفي كل قرية نواويس لا تقل عن هذه بمكانتها وقد طمست الأيام معالمها فلم يعلم اسم بانيها.

والنفوس قليلة في هذين الإقليمين (وادي العجم وإقليم البلان) لا تزيد في الإحصاء الرسمي عن خمسة عشر ألف نسمة عدا القرى الملحقة بعمل دمشق مثل المزة وكفرسوسة وداريا وصحنايا والأشرفية وبلاس ومع أن البلاد تؤوي مائتي ألف وأكثر ترى الهجرة أيضاً إلى أميركا تقلل نفوسها سنة عن سنة وسكان هذه البلاد أخلاط بمذاهبهم فيهم المسلمون السنية ومسيحيون روم وكاثوليك وبروتستانت ودروز والدروز أكثرهم مضاءً وإقداماً على العمل ويليهم المسيحيون ثم المسلمون فكأن هؤلاء يكفيهم من المفاخر أن تكون حكومتهم منهم ولذلك جعلوا اعتمادهم عليها وكان عليهم أن يعولوا على تماسكهم ومضائهم كما فعل جيرانهم في اعتمادهم على أنفسهم ذر قرن الغزالة غذاة اليوم في بيتيما وشادينا الصديق الشيخ عبد الرحيم البابلي يردد في حديقة بيت أبي أحمد قول الشاعر المنطبق على ما نحن فيه من جمال الموقع وطرب النفس بالطبيعة:

الروض مقتبل الشبيهة مونق ... خضل يكاد غضارة يتدفق

نثر الندى فيه لآلئ عقده ... فالزهر منه متوج وممنطق

وارتاع من مر النسيم به ضحى ... فغدت كمائم نوره اتفتق

وسرى شعاع الشمس فيه فالتقى ... منها ومنه سنا شموس تشرق

والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالمسيم يغبق

والطير ينطق معرباً عن شجوه ... فيكاد يفهم عنه ذاك المنطق

غرداً يغني للغصون فينثني ... طرباً جيوب الظل منه تشقق

والنهر لما راح وهو مسلسل ... لا يستطيع الرقص ظل يصفق

كان اليوم الثالث معتل النسيم صافي الأديم فحمدنا السير حتى وصلنا إلى قرية جباتا الخشب آخر عمل وادي العجم فبتنا في بيت مريود على أن نعاود السير من الغد ولكن عاد الجو فاضطرب وهبت الريح زعزعاً وكثر تهطال الأمطار والبرد حتى ذكرنا نيسان بكانون ثم زاد قلق الطبيعة حتى استيقظنا صباح اليوم الثاني وجبل الشيخ قد لبس حلة