ذلك فباطل ومضر إذا لم يلاحظ ذلك أولاً فالنظر لا يفيد كالعمل بحال.
يحتاج الطفل إلى معارف حالية لا ليطبقها وينتفع بتطبيقها بل ليتهذب بها فالجهل المطلق في الأمور يؤدي إلى البلاهة لأن الذهن لا يشتغل في باطل لا طائل تحته فالواجب تغذيته إذا أريد تشغيله والذهن لا يتحرك إلا بحوادث تعرض له ومبادئ يتلقاها ولا يتيسر له اتساع العقل إذا لم يكن لديه شيء من المعارف يستعمله وكلما اتسع أمامه ما يترامى إلى سمعه تنمو قوى عقله، فالمعرفة حسنة في ذاتها وهي لا تنمو إلى على هذه الصورة، نعم إن من الحوادث ما لا خطر له وهو من العقم على جانب ولا غناء فيها لسامعيها ولذلك ليس فيها كبير أمر لأعمال الفكر والحوادث الغريبة ذات المعنى المهمة في ذاتها والوقائع التي تبعث العقل على التفكر هي التي يستفيد منها العقل وتقع على التصور وتهز الفكر إلى الحركة، وبديهي أن درس الحوادث التاريخية العظيمة هي أكثر إشغالاً للفكر من الحوادث الصغيرة في التاريخ الأدبي ولا شبه بين المادة العقلية التي تستخرج من معرفة قاعدة نحوية وبين المادة التي تؤخذ بدراسة قانون الجاذبية، ولقد لاحظ كويو أن من المعارف ما هو باطل متعب للذهن إذا دخلت إليه تحدث فيه فراغاً ولا تملأه بشيء.
فالواجب في مثل هذه الحال أن يترك الطفل منذ نعومة أظفاره يستمتع بشيء من إرادته ليمكن نموها بالتدريج ويجب أن لا يلاحظ الدرس على الدوام ويفرض على الدارسين حتماً، فقد قيل أن لا شيء يعادل البحث الشخصي للوقوف على الأشياء، فالمرء يحفظ ما وقع نظره عليه أكثر من غيره وما نظر إليه بعناية لأن ما اكتشفه بذاته يستقر به غالباً فالتمرين على الملاحظة الشخصية هو من الأسف مما يصعب في المدارس، يجب أن تترك للتلميذ بعض حرية في اختيار ما تتجه إليه رغبته من الدروس وأن يزاد من شرح الموضوعات التي تهمه أكثر من غيرها فقد جرت عادة المدارس أن تترك دراسة بعض المواد لاختيار التلميذ وهذا من شأن أن ينوع العاملين ويجعل حرية للطالب ولا بأس بأن تجعل للتلميذ حصة من اللعب في كل درس يراد منه العناية به فإن التربية العقلية لا تنتج النتائج الحسنة إلا إذا حثت نشاط العقل وجعلت منه له دافعاً وحيثما فقدت الإرادة يفقد الفكر لا محالة.
وترك التلميذ وما يختار من أنواع المطالعة من أعظم ما يثقف عقله فهو إذا أغرم بالمطالعة