ولاة دمشق يقضون بها لاسنين الطويلة ولا يزورون معاهده ويتفقدون حالة أهله بل أن القائمين الذين طالما تناوبوا الحكم عليه لا يهمهم إلا قبض رواتبهم وأخذ ما يريدون أخذه من الأهالي وإذا طافوا بعض قراه فللنزهة والتماس الصحة والراحة لا لرفع ظلامة وإقامة عدل وتحسين حال ويعتمدون في أمورها على مشايخ معظمهم على غير علم كانوا ولم يزالوا عون كل ظالم والسعيد منهم من كان الجهل أغلب على قريته ليسوغ له أن يحكم فيهم حكماً قره قوشياً ولا أغالي إذا قلت اليوم أن أهل قلمون لم يلقحهم حتى الآن رشاشة من نعمة الدستور على قربهم من الحواضر ولولا بصيص نور يتلألأ في عقول بعض أهل القرى التي يكثر فيها المسيحيون والمدارس والهجرة لكان قلمون كما كان منذ مئات من السنين.
وهنا رأينا أن نختم هذا الفصل بقصيدة للأمير عبد القادر الحسني الجزائري قالها وقد سأله بعض الفرنسيس أي العيش أطيب عيش الخلاء والبداوة أم عيش المدن والحضارة وقد كنا نردد أكثر أبياتها في رحلتنا وأكثرها مما يصدق عليها لمناسبتها مع الحالة التي كنا عليها في الجبل من الصحة وفراغ البال قال رحمه الله:
ياعاذراً لامرئ قد هام في الحضر ... وعاذلاً لمحب البدو والقفر
لا تذعن بيوتاً خف محملها ... وتمدحن بيوت الطين والحجر
لو كنت تعلم ما في البدو تعذرني ... لكن جهلت وكم في الجهل من ضرر
لو كنت أصبحت في الصحرا تمر على ... بساط رمل به الحصباء كالدرر
أو جلت في روضة قد راق منظرها ... بكل لون جميل طيب عطر
تستنشقن نسيماً طاب منتشقاً ... يزيد في الروح لم يمرر على قذر
أو كنت في صبح ليل هاج هاتنه ... علوت في مرتب أوجلت بالنظر
رأيت في كل وجه من بسائطها ... سرباً من الوحش يرعى أطيب الشجر
فيالها وقفة لم تبق من حزن ... في قلب مضنى ولا كداً لذي ضجر
نباكر الصيد عند الفجر نبغته ... فالصيد منا مدى الأوقات في ذعر
فكم ظلمنا ظليماً مع نعامته ... وإن يكن طائراً في الجو كالصقر
يوم الرحيل إذا شدت هوادجنا ... شقائق عمها مرن من المطر