* وأما من تكلم عامدًا في الصلاة عالمًا بتحريم الكلام:
• فهذا على قسمين: الأول: أن يتكلم بكلام ليس فيه مصلحة الصلاة، ولا هو من شأنها؛ فهذا تبطل صلاته؛ لحديث ابن مسعود:
الذي رواه عاصم بن أبى النجود، عن أبى وائل، عن ابن مسعود، قال: كنا نسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة فيردُّ علينا [إذا كنا بمكة] قبل أن نأتي أرض الحبشة، فلما رجعنا من عند النجاشي، أتيته وهو يصلي فسلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ السلام، فأخذني ما قرُب وما بعُد، فجلست أنتظره، فلما قضى الصلاة، قلت: يا رسول الله! سلمتُ عليك وأنت تصلي فلم تردَّ عليَّ السلام، فقال: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وقد أحدث [من أمره] أن لا نتكلم في الصلاة".
تقدم برقم (٩٢٤)، وهو حديث صحيح.
وما رواه الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا نُسلِّم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في الصلاة، فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي، سلَّمنا عليه، فلم يردَّ علينا، وقال: "إن في الصلاة لشُغُلًا".
تقدم برقم (٩٢٣)، وهو حديث متفق على صحته.
ولحديث زيد بن أرقم، قال: إن كنا لنتكلَّم في الصلاة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، يكلِّم أحدُنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨)} [البقرة: ٢٣٨]، "فأُمِرنا بالسكوت"؛ لفظ البخاري، وزاد عند مسلم: "ونهينا عن الكلام" [وهو حديث متفق عليه، تقدم تخريجه برقم (٩٤٩)].
ولحديث معاوية بن الحكم السلمي مرفوعًا: "إن هذه الصلاة لا يحلُّ فيها شيءٌ من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" [تقدم برقم (٩٣٠)، وهو حديث صحيح].
قال عبد الله بن أحمد في مسائله لأبيه (٣٦٤): "قال أبى: إذا تكلم الرجل في الصلاة عامدًا وتكلم بشيء لا تكمل به الصلاة، ليس هو من شأن الصلاة؛ أعاد الصلاة، إذا قال: يا جارية اسقني ماءً، أو كلمه رجلٌ فكلمه؛ أعاد الصلاة، والذي هو من شأن الصلاة: مثل قول ذي اليدين: يا رسول الله! أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فأجابه - صلى الله عليه وسلم -: "لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، فهذا من شأن الصلاة".
وقال النووي في المجموع (٤/ ٩٥): "يتكلم عامدًا لا لمصلحة الصلاة: فتبطل صلاته بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره".
* وأما من تكلم عامدًا قاصدًا تنبيه الإمام، ولم يجد بدًا من ذلك؛ كمن سبح بالإمام فلم يفهم المراد من التسبيح، فكلامه لمصلحة الصلاة وإتمامها، فهل تصح صلاته؟ فهذا قد اختلفت فيه أنظار الأئمة:
قال ابن المنذر في الأوسط (٣/ ٢٣٤): "أجمع أهل العلم على أن من تكلم في