وقال الأوزاعي:"كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر، فلم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعادة الصلاة، فمن تكلم في صلاته ساهيًا أو جاهلًا مضت صلاته، ومن تكلم متعمدًا استأنف الصلاة" [سنن البيهقي (٢/ ٣٦٥). المجموع شرح المهذب (٤/ ٩٩)].
وقال ابن خزيمة في صحيحه (٢/ ١٢١): "ومعاوية بن الحكم السلمي إنما تكلم وهو لا يعلم أن الكلام في الصلاة محظور، فقال في الصلاة خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - لما شمت العاطس ورماه القوم بأبصارهم: واثُكل أمِّياه ما لكم تنظرون إليَّ، فلما تكلم في الصلاة بهذا الكلام، وهو لا يعلم أن هذا الكلام محظور في الصلاة، علمه - صلى الله عليه وسلم - أن كلام الناس في الصلاة محظور غير جائز، ولم يأمره - صلى الله عليه وسلم - بإعادة تلك الصلاة التي تكلم فيها بهذا الكلام".
وقال الماوردي في الحاوي (٢/ ١٨٠): "لأنه تكلم جاهلًا بتحريم الكلام فلم تبطل صلاته، ولا أمره بإعادتها، والجاهل بتحريم الكلام في حكم المتكلم ناسيًا".
وانظر أيضًا: مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢١/ ١٦٠)، الفتح لابن رجب (٦/ ٣٧٤).
* وأما من تكلم ناسيًا: فلا تبطل صلاته أيضًا، والحجة في ذلك قصة ذي اليدين، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكلم مع ذي اليدين على أنه قد فرغ من الصلاة، وقال له:"لم أنْسَ، ولم تُقصَرِ الصلاةُ"، فلما راجعه ذو اليدين وقال: بل نسيتَ يا رسول الله! عندئذ أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الصحابة، فقال لهم مستثبتًا من صحة دعوى ذي اليدين:"أصدق ذو اليدين؟ "، فلما استيقن أتم بهم الصلاة، فصلى ركعتين فقط، وبنى على صلاته الأولى، ولم يُعِدِ الصلاة من أولها.
قال ابن عبد البر في التمهيد (١/ ٣٦٤) - وهو متصل بإسناده إلى الأثرم -: "قال أبو بكر الأثرم: حدثني سليمان بن حرب، قال: حدثني حماد بن زيد، قال: ذكر لأيوب البناء بعد الكلام؟ فقال: أليس قد تكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم ذي اليدين؟ ".
وقال ابن المنذر في الأوسط (٣/ ٢٩٣): "فأما الكلام ساهيًا في الصلاة فليس من هذا الوجه [يعني: ليس داخلًا في أحاديث النهي عن الكلام]، ولا يجوز أن يقع على الكلام ساهيًا في الصلاة النهي، إذ غير جائز أن يدعي أحدٌ أن الله نهى من لا يعلم أنه في الصلاة عن الكلام فيها في الحال التي هو غير عالم بأنه في الصلاة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تكلم وهو غير عالم بأنه في الوقت الذي تكلم فيه في الصلاة، بل كان عنده أنه قد أدَّى فرض الصلاة بكماله، بيَّن ذلك في قوله: "ما قصرت ولا نسيت".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (١/ ٣٦٨)، وفي الاستذكار (١/ ٥٥٣): "لأن النهي عن الكلام في الصلاة إنما توجه إلى العامد القاصد؛ لا إلى الناسي؛ لأن النسيان متجاوز عنه، والناسي والساهي ليسا ممن دخل تحت النهي؛ لاستحالة ذلك في النظر".
وانظر أيضًا: شرح البخاري لابن بطال (٣/ ٢١٩).
وقد سبق نقل كلام بعض الأئمة في ذلك في المسألة السابقة، ويأتي نقل بقية كلامهم في المسألة الآتية.