قلت: وعليه، فالقول فيه: قول ابن مهدي عن الثوري، فهما أثبت من رواه، والزيادة من الثقة الحافظ مقبولة.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".
قلت: وهو كما قال، فإن مسلمًا قد روى أحاديث لأبي مالك سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة. [انظر: تحفة الأشراف (٩/ ٤٣٣/ ١٣٣٩٧ - ١٣٤٠٠)].
وقال النووي في الخلاصة (١٧٠٥)، وفي المجموع (٤/ ١١٥): "رواه أبو داود بإسناد صحيح".
وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (٢/ ٣٤٠/ ٥٥٣٢).
• قال ابن حزم في المحلى (٣/ ٨٣): "ليس هذا نهيًا عن ردِّ السلام في الصلاة بالإشارة، ولا يُفهَم هذا من هذا اللفظ، والدعوى مردودة إلا ببرهان".
وقال البيهقي: "وهذا اللفظ يقتضي نفي الغرار عن الصلاة والتسليم جميعًا، والأخبار التي مضت تبيح التسليمَ على المصلي والردَّ بالإشارة، وهي أولى بالاتباع، وبالله التوفيق".
• قلت: هذا الحديث ليس نصًّا في النهي عن التسليم على المصلى، ولا في منعه من رد السلام بالإشارة، بل هو محتمل لمعانٍ، كما تبين من كلام الأئمة في تفسيره، وعلى هذا فلا يُقضى لأحد وجوه تفسيره المحتملة على الأحاديث الصريحة الصحيحة القاضية بجواز إلقاء السلام على المصلي، وبردِّ المصلي عليه بالإشارة، والله أعلم.
• وفي الباب أيضًا:
عن عثمان بن مظعون:
رواه معمر بن راشد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ أن عثمان بن مظعون سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في الصلاة، فردَّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - السلام.
أخرجه عبد الرزاق (٢/ ٣٣٤/ ٣٥٨٨).
وهذا مرسل بإسناد صحيح، وعثمان بن مظعون: توفي بعد أن شهد بدرًا في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول من دُفن بالبقيع من المهاجرين [الإصابة (٤/ ٤٦١)].
ورواه صالح بن أبي الأخضر [ضعيف]، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ أنه بلغه؛ أن عثمان بن مظعون مرَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في الصلاة، فسلم عليه، فردَّ عليه. أخرجه الحازمي في الاعتبار (١/ ٣٠٤/ ٧٠).
• وفي نهاية هذا الباب، نذكر شيئًا من فقهه، غير ما تقدم ذكره في موضعه:
قال ابن المنذر في الأوسط (٣/ ٢٥٠): "فحديث عبد الله بن مسعود، وحديث صهيب: يدلان على إباحة السلام على المصلي، إذ لو كان ذلك لا يجوز لنهاهم عن ذلك لما فرغ من الصلاة، ودل حديث صهيب على أن من السنة رد السلام في الصلاة بإشارة".
وكان قال قبل ذلك: "فالكلام في الصلاة لا يجوز، وقد سنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن المصلي يردُّ السلام بالإشارة".