إلى أن قال:"وقال النعمان؛ [يعني: أبا حنيفة]: لا يرد السلام، ولا أحب أن يشير".
قال ابن المنذر متعقبًا إياه:"فاستحبَّ خلاف ما سنَّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأمته؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سنَّ للمصلي أن يردَّ السلام بإشارة، وقد سنَّ النبيُّ الإشارةَ في الصلاة في غير موضع، من ذلك: إشارته إلى الذين صلوا خلفه قيامًا أن: اجلسوا، وأومأ إلى أبي بكر يوم خرج إلى بني عمرو بن عوف أن: امضه".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (٢/ ٣٣٧): "وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب ولا سُنَّة أن يسلَّم على المصلي"، ثم ذكر مذاهب الناس في رد السلام إلى أن قال:"ولم يختلف الفقهاء أن من ردَّ السلام وهو يصلي كلامًا مفهومًا مسموعًا أنه قد أفسد صلاته، وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم".
وانظر: مسائل الكوسج (٢٦٩ و ٣٣٩)، ومسائل ابن هانئ (٢١١)، ومسائل أبي داود (٢٦١).
ونقل ابن المنذر (٣/ ٢٥١) عن إسحاق خلاف ذلك، فقال:"وقال إسحاق: إن رد السلام متأولًا يرى أن ذلك جائز؛ فصلاته مجزية"، وذكر أن ذلك مروي عن أبي هريرة، ثم أسنده إليه (٣/ ٢٥١/ ١٥٩٤ و ١٥٩٥) من طريق ابن أبي شيبة (٣/ ٥٣٥ - ٥٣٦/ ٤٨٤٩ - ط. عوامة) وغيره، بإسناد ضعيف إلى أبي هريرة، قال: إذا سلِّم عليك وأنت في الصلاة فرُدّ، واختلفت الرواية فيه عن جابر بن عبد الله، ولا حجة في شيء من ذلك إن ثبت عن قائله؛ لما قد ثبت في السُّنَّة من حديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم من نسخ الكلام في الصلاة، ومنه رد السلام بالكلام دون الإشارة، والله أعلم.
• وقد روي في معارضة ذلك ما لا تقوم به حجة:
وهو حديث أبي غطفان، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أشار في صلاته إشارة تُفهَم عنه؛ فليُعِد صلاته".
أخرجه أبو داود (٩٤٤)، وإسحاق بن راهويه (١/ ٤٦٦/ ٥٤٣)، والبزار (١٥/ ١١٦/ ٨٤١٦) و (١٥/ ٣٠٠/ ٨٨١٣)، وأبو العباس السراج في مسنده (٧٠٧)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (٧٧١)، والطحاوي (١/ ٤٤٨ و ٤٥٣)، والدارقطني (٢/ ٨٣)، وابن بشران في الأمالي (٩٨٥)، والبيهقي في السنن (٢/ ٢٦٢)، والجوزقاني في الأباطيل (٢/ ٤٤/ ٤١٣)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (١/ ٤٢٧/ ٧٢٦).
قال أبو داود:"هذا الحديث وهم".
وقال ابن أبي داود:"أبو غطفان هذا: رجل مجهول، وآخر الحديث زيادة في الحديث، ولعله من قول ابن إسحاق، والصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يشير في الصلاة، رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -"، قال الدارقطني:"وقد رواه ابن عمر وعائشة أيضًا".