وهذا أمر واضح، ولا فرق بين أن يقول ابن الحنفية: إن عمارًا مرَّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّ به عمار، فكلاهما مرسل بالاتفاق، بخلاف ما إذا قال: عن عمار قال: مررت، أو أن عمارًا قال: مررت، فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار".
قلت: قد تبين ثبوت الرواية وأنها ليست حكاية؛ كما في رواية حماد بن سلمة، وابن الحنفية معروف بالرواية عن عمار بن ياسر، وقد أدركه ولقيه، إلا أني لا أعرف له منه سماعًا، ولا ينكَر السماع لثبوت اللقاء، ولعموم حكم يعقوب بن شيبة باتصاله من طريق أبي الزبير عن ابن الحنفية عن عمار، والله أعلم.
وعليه؛ فالإسناد صحيح.
• ومما يؤكد أن لأبي الزبير في هذا حديثين، أن حديث عمار هذا قد روي من وجه آخر:
أ- فقد روى وهب بن جرير بن حازم [ثقة]، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي [ثقة ثبت]:
كلاهما عن جرير بن حازم، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن محمد بن علي [وفي رواية لأبي سلمة التبوذكي: محمد ابن الحنفية، وفي رواية لوهب بن جرير: محمد بن علي بن أبي طالب]، عن عمار بن ياسر؛ أنه سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلِّي، فردَّ عليه.
وفي رواية لأبي سلمة: أن عمار بن ياسر مرَّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فسلم عليه، فأشار إليه. هكذا مرسلًا، وفيه بيان أن الرد كان بالإشارة، لا بالكلام.
أخرجه النسائي في المجتبى (٣/ ٦/ ١١٨٨)، وفي الكبرى (١/ ٢٩١/ ٥٤٦) و (٢/ ٣٤/ ١١١٢)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (٢/ ١٣٥/ ٢٠٧١)، والبزار (٤/ ٢٤٦/ ١٤١٦)، وأبو يعلى (٣/ ٢٠٧/ ١٦٤٣)، وابن قانع في المعجم (٢/ ٢٥٠)، والحازمي في الاعتبار (٧٢).
وقد كنت أميل إلى ترجيح رواية وهب المتصلة؛ لأن أهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء، وإن كانوا أحفظ مثل حالتنا هذه، لكني لما وجدت يعقوب بن شيبة جزم بإرساله من طريق عطاء، وكذلك خطَّأ ابن معين الرواية المتصلة عن عطاء، جنحت إلى ترجيح رواية الأحفظ المرسلة، والله أعلم.
قال ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (٢/ ١٣٥/ ٢٠٧٠): "سئل يحيى بن معين عن حديث: وهب عن أبيه، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن محمد بن علي، عن عمار؛ أنه سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلِّي؟ قال: هذا خطأ".
قلت: يمكن حمل هذا الخطأ المشار إليه في كلام ابن معين على أحد أمرين، أولهما: أن هذه الرواية عن عطاء ظاهرها الاتصال، بينما الرواية المحفوظة عنه مرسلة،