بصدقة. . ."، لكن المحفوظ عن الليث في هذا إثبات أبي عبيدة أو ابن عبيدة [وهو: مجهول] بين المقبري وبين سعيد بن يسار، قال الدارقطني في العلل (١١/ ٩/ ٢٠٨٦): "ورواه الليث بن سعد، عن المقبري، عن ابن عبيدة، أو: أبي عبيدة، عن أبي الحباب، عن أبي هريرة، وزاد في الإسناد رجلًا مجهولًا"؛ يعني: أبا عبيدة، أو ابن عبيدة.
وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه بأوسع من هذا، ثمَّ قال: "ويشبه أن يكون الليث قد حفظه من المقبري".
• قلت: قد اتفق ابن أبي ذئب وابن عجلان، فروياه عن سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واختلف على ابن عجلان في رفعه ووقفه.
وخالفهما: فزاد في الإسناد رجلًا مجهولًا: الليث بن سعد، فرواه عن سعيد بن أبي سعيد، عن ابن عبيدة، أو: أبي عبيدة، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
• وقد يقال هنا بأن القولَ قولُ الليث بن سعد؛ وذلك لوجوه:
الأوّل: أن الليث من أثبت الناس في سعيد المقبري، قال أحمد بن حنبل: "أصح الناس حديثًا عن سعيد المقبري: ليث بن سعد"، وقال ابن المديني: "الليث، وابن أبي ذئب: ثبتان في حديث سعيد المقبري" [العلل ومعرفة الرجال (١/ ٣٣٤/ ٦٠٢) و (١/ ٣٥٠/ ٦٥٩)، التهذيب (٣/ ٦٢٩)، شرح علل الترمذي (٢/ ٦٧٠)].
الثاني: أن الليث قد زاد في الإسناد رجلًا، والحكم لمن زاد إذا كان حافظًا.
الثالث: قول الدارقطني في العلل: "ويشبه أن يكون الليث قد حفظه من المقبري"، والذي يقتضي ترجيح رواية الليث.
• وأقول: وقول ابن أبي ذئب وابن عجلان محفوظ أيضًا لأمور:
الأوّل: أن ابن أبي ذئب من أثبت الناس في المقبري [كما قال ابن المديني، وتقدم نقل قوله، وقال ابن معين: "أثبت الناس في سعيد: ابن أبي ذئب"، التهذيب (٢/ ٢٣)]، ولم ينفرد عنه بهذا الإسناد، فقد تابعه عليه ابن عجلان.
الثاني: أن هذا الإسناد قد تتابع عليه مدنيان، بلديان للمقبري، وهما من أصحابه المكثرين عنه، وأهل بلد الرجل أعلم بحديثه من الغرباء، لا سيما أصحابه والمكثرين عنه.
الثالث: أن إسناد الليث لم يعرف إلا خارج المدينة، فلم يتابعه عليه أحد من أهل المدينة عن المقبري، بخلاف إسناد ابن أبي ذئب وابن عجلان فإنَّه مدني، والإسناد الذي اشتهر في بلده أولى من الإسناد الذي لم يُعرف إلا خارج بلده.
الرابع: أن الليث قد زاد في روايته الوضوء وإسباغه، ولم يذكر توطين المساجد للصلاة والذكر، واختلاف الروايتين في اللفظ قرينة على القول بأن سعيدًا المقبري أخذه أولًا عن أبي عبيدة المذكور، ثمَّ اسثبته بعدُ من سعيد بن يسار، وهو من أقرانه، وبين وفاتيهما بضع سنين، ثمَّ حدث مرة بما سمع من أبي عبيدة، ومرات بما سمع من سعيد بن يسار، والله أعلم.