قلت: يحتمل أن يكون هذا الاختلاف في الرفع والوقف من ابن عجلان نفسه، فقد تُكُلِّم في روايته عن سعيد المقبري، لكن الرفع هو المحفوظ لمجيئه عن اثنين من الحفاظ وهما أثبت الناس في سعيد المقبري: ابن أبي ذئب والليث بن سعد، وعليه فيكون ابن عجلان قد قصر به حين أوقفه، وتردد في رفعه ووقفه، فرواه مرة هكذا، ومرة هكذا، لكن ذلك لا يضر حديثه هذا في شيء، لا سيما وابن عجلان لم يسلك فيه الجادة والطريق السهل؛ فإن أمارة الوهم من ابن عجلان في أحاديثه عن شيخه سعيد، فيما اختلط عليه ولم يضبطه: أن يقول: عن سعيد عن أبي هريرة [راجع في ذلك الحديث رقم (٧٩٦)]، حيث يحتمل أن يكون أسقط الواسطة بين شيخه سعيد وبين أبي هريرة، أو يكون سمعه هكذا، فالذي يختلط إسنادُه على ابن عجلان ولم يضبطه يجعله: عن سعيد عن أبي هريرة، وابن عجلان في حديثنا هذا لم يسلك الجادة، وإنما حفظ الواسطة بين شيخه سعيد المقبري وبين أبي هريرة، بدليل متابعة ابن أبي ذئب له، وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد المقبري، والله أعلم.
• خالفهما:
الليث بن سعد [وعنه: هاشم بن القاسم، ويونس بن عبد الأعلى، وحجاج بن محمَّد، وعبد الله بن صالح، وشعيب بن الليث، ويحيى بن عبد الله بن بكير]، فقال: حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي عبيدة [أو: ابن عبيدة]، عن سعيد بن يسار؛ أنَّه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتوضأ أحدٌ فيحسن وضوءه ويسبغه، ثمَّ يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله به، كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته".
أخرجه ابن خزيمة (٢/ ٣٧٤/ ١٤٩١)، والحاكم (١/ ٢١٣)(١/ ١٥٠/ ب - رواق المغاربة)(١٥/ ١٠/ ١٨٧٦٥ - إتحاف المهرة)، وأحمد (٢/ ٣٠٧ و ٣٤٠ و ٤٥٣)(٤/ ١٦٩٥/ ٨١٨٠) و (٤/ ١٧٨٣/ ٨٦٠٣) و (٤/ ٢٠٥٤/ ٩٩٧٦ - ط المكنز)، وعثمان بن سعيد الدارمي في نقضه على المريسي (٢/ ٨٨٧ - ٨٨٨)، والحارث بن أبي أسامة (١٢٨ - زوائده)(٢/ ١٨٥/ ١٤٧٨ - إتحاف الخيرة)[وسقط من إسناده أبو عبيدة]، وابن منده في التوحيد (٣/ ٢٣٧/ ٧٥١)[وسقط من إسناده أبو عبيدة]، وابن بشران في الأمالي (٧٨ م)، والبيهقيُّ في الأسماء والصفات (٣/ ٤٣)(١١٠٣)، وأبو موسى المديني في اللطائف (٣٢٣ و ٦١٤).
قال أبو موسى في الموضع الأوّل:"هذا حديث مشهور، رواه الأئمة والحفاظ، وتلقوه بالقبول، مسلمين له، غير منكرين عليه، ولا متكلمين فيه"، ثمَّ ذكر الاختلاف فيه على المقبري.
وقال في الموضع الثاني بعد أن أخرجه من طريق الحارث بن أبي أسامة بإسقاط أبي عبيدة من الإسناد، قال:"هذا إسناد صحيح، أخرج مسلم في صحيحه بهذا الإسناد حديثًا، وهذا الحديث وأمثاله يروى من غير إنكار ولا تأويل؛ اقتداءً بالسلف الصالح فيه".
قلت: نعم؛ أخرج مسلم (١٠١٤/ ٦٣) بهذا الإسناد حديث: "ما تصدق أحدٌ