للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والصلاة، ولم يأمر الذين أكلوا في رمضان حتى تبيّن لهم الحبال البيض من السود بالإعادة، والصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين ركعتين، ثمَّ لما هاجر زِيد في صلاة الحضر ففرضت أربعًا، وكان بمكة وأرض الحبشة والبوادي كثير من المسلمين لم يعلموا بذلك إلا بعد مدة، وكانوا يصلون ركعتين، فلم يأمرهم بإعادة ما صلوا، كما لم يأمر الذين كانوا يصلون إلى القبلة المنسوخة بالإعادة مدة صلاتهم إليها قبل أن يبلغهم الناسخ، فعُلِم أنَّه لا فرق بين الخطاب المبتدأ والخطاب الناسخ" [وانظر أيضًا: المجموع (٢١/ ٤٢٩)].

وقال ابن القيم في بدائع الفوائد (٤/ ٩٧٤): "وقد رأيت لأبي القاسم السهيلي في الكلام على هذه الآيات فصلًا أذكره بلفظه، قال: في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للبراء بن معرور: "قد كنتَ على قبلةٍ لو صبرتَ عليها"؛ يعني: لما صلى إلى الكعبة المشرفة قبل الأمر بالتوجه إليها، ولم يأمره بالإعادة؛ لأنه كان متأولًا.

قلت: ونظير هذا: أنَّه لم يأمر من أكل في نهار رمضان بالإعادة، لما ربط الخيطين في رجليه وأكل، حتى يتبينا له؛ لأجل التأويل.

ونظيره: أنَّه لم يأمر أبا ذر بإعادة ما ترك من الصلاة مع الجنابة، إذ لم يعرف شرع التيمم للجنب، فقال: يا رسول الله إني تصيبني الجنابة فأمكث الشهر والشهرين لا أصلي؛ يعني: في البادية؟ فقال: "أين أنت عن التيمم؟ ".

ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر المستحاضة بالإعادة، وقد قالت: إني أستحاض حيضة شديدة، وقد منعني الصوم والصلاة، فأمرها أن تجلس أيام الحيض ثمَّ تصلي، ولم يأمرها بإعادة ما تركت.

ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر المسيء في صلاته بإعادة ما تقدم له من الصلوات التي لم تكن صحيحة، وإنما بالإعادة في الوقت؛ لأنه لم يؤد فرض وقته مع بقائه، بخلاف ما تقدم له.

ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر المتمعك في التراب كما تتمعك الدابة لأجل التيمم بالإعادة، مع أنَّه لم يصب فرض التيمم.

ونظيره أيضًا: أنَّه لم يأمر معاوية بن الحكم السلمي بإعادة الصلاة وقد تكلم فيها بكلام أجنبي ليس من مصلحتها.

ونظيره أيضًا: أنَّه لم يضمن أسامة قتيله بعد إسلامه، بقصاص ولا دية ولا كفارة.

ولا تجد هذه النظائر مجموعة في موضع، فالتأويل والاجتهاد في إصابة الحق منع في هذه المواضع من الإعادة والتضمين.

• وقاعدة هذه الباب: أن الأحكام إنما تثبت في حق العبد بعد بلوغه هو، وبلوغها إليه، فكما لا يترتب في حقه قبل بلوغه، وهو كذلك لا يترتب في حقه قبل بلوغها إليه، وهذا مجمع عليه في الحدود؛ أنها لا تقام إلا على من بلغه تحريم أسبابها، وما ذكرناه من النظائر يدلّ على ثبوت ذلك في العبادات والحدود.

<<  <  ج: ص:  >  >>