للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

التخفِّف من التكاليف، والاقتصار على القدر المجزئ من العبادة، كما هو حال كثير من الناس اليوم، لكن العالم يفرق بين ما يبطل الصلاة، وما لا يبطلها، حتى إذا سئل عن الوقائع وأحوال الناس في الصلاة أفتاهم بما يبرئ ذمتهم في العبادة، هل أجزأتهم؟ أم تجب عليهم الإعادة؟، وهذا أيضًا مما ينبغي أن يهتم بتعلمه طالب العلم، حتى يكون على بصيرة بمرتبة وحكم كل فعل وقول في العبادة، وتحرير القول فيه، هل هو مما تبطل العبادة بتركه عمدًا أو سهوًا، أو هو فقط مما يُنقِص الأجرَ والثواب.

ومن أظهر العبادات التي يسأل السائلون عن سننها ليتخففوا بتركها، أو ليعلموا أن لا عقوبة عليهم بتركها أو تأخيرها عن وقتها هي مناسك فريضة الحج، وحال الناس فيها بيَّن لا خفاء فيه؛ ومن بلايا هذا الزمان أن وُجِد من يستغل قوله - صلى الله عليه وسلم - في مناسك معلومة محددة، ولا يقاس عليها غيرها: "افعل ولا حرج"، فذهب ليقيس عليها بقية مناسك الحج، حتى أفقدوا الحجَّ في أعينِ الناس تعظيمَ شعائره، وأصبح همُّ الواحد منهم كيف يهرب من الفدية والدم والكفارة، وكان لا همَّ له في إيقاع العبادة على أحسن وجه، حتى يرضى بها الرب عن عبده، فيسبغ عليه مغفرته ورضوانه، فكان الناس في وادٍ، وما بُعِث له النبي - صلى الله عليه وسلم - في واهٍ آخر، فعلى أهل العلم أن يبينوا للناس العاقبة الحميدة لمن اتبع السُّنَّة ولزمها، ومغبة التقصير فيها، حتى ينالوا محبة الله لهم باتباع سُنَّة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فنحن بحاجة ماسة إلى ترغيب الناس في عبادة ربهم، وعدم تساهلهم فيها، وتعظيم شعائر الله، وما شرعه لهم من العبادات، والله أعلم.

• مسألة:

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية [مجموع الفتاوى (٢٣/ ٣٧)]: "وكذلك كل من ترك واجبًا لم يعلم وجوبه؛ فإذا علم وجوبه فعله، ولا تلزمه الإعادة فيما مضى في أصح القولين في مذهب أحمد وغيره.

وكذلك من فعل محظورًا في الصلاة لم يعلم أنَّه محظور ثمَّ علم، كمن كان يصلي في أعطان الإبل أو لا يتوضأ الوضوء الواجب الذي لم يعلم وجوبه كالوضوء من لحوم الإبل.

وهذا بخلاف الناسي، فإن العالم بالوجوب إذا نسي صلى متى ذكر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها".

وأما من لم يعلم الوجوب فإذا علمه صلى صلاة الوقت وما بعدها، ولا إعادة عليه، كما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي المسيء في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ما يجزيني في صلاتي فعلمه، وقد أمره بإعادة صلاة الوقت، ولم يأمره بإعادة ما مضى من الصلاة، مع قوله: لا أحسن غير هذا، وكذلك لم يأمر عمر وعمارًا بقضاء الصلاة، وعمر لما أجنب لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة، ولم يأمر أبا ذر بما تركه من الصلاة وهو جنب، ولم يأمر المستحاضة أن تقضي ما تركت، مع قولها: إني أستحاض حيضة شديدة منعتني الصوم

<<  <  ج: ص:  >  >>