وقال ابن كثير في الأحكام الكبير (٢/ ٤٧٨): "وتمام الدليل: أن المأموم قرأ في السورة بعد الفاتحة، ولم ينهه عن ذلك، بل أقره، فدل على مشروعية ذلك، وهو المطلوب".
وجميل في هذا الموضع قول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان مشروعية قراءة المأموم خلف الإمام في الصلاة السرية دون الجهرية، إذ يقول: "جميع الأذكار التي يُشرع للإمام أن يقولها سرًّا يُشرع للمأموم أن يقولها سرًّا، كالتسبيح في الركوع والسجود، وكالتشهد والدعاء، ومعلوم أن القراءة أفضل من الذكر والدعاء، فلأي معنى لا تشرع له القراءة في السر وهو لا يسمع قراءة السر، ولا يؤمِّن على قراءة الإمام في السر"، إلى أن قال: "وأيضًا فالسكوت بلا قراءة ولا ذكر ولا دعاء ليس عبادة، ولا مأمورًا به، بل يفتح باب الوسوسة، فالاشتغال بذكر الله أفضل من السكوت، وقراءة القرآن من أفضل الخير" [مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٨٥)].
• وقد صح عن علي الأمر بالقراءة خلف الإمام في السرية:
فقال ابن أبي رافع في رواية عنه: كان علي يقول: اقرؤوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر خلف الإمام بفاتحة الكتاب وسورة.
وفي رواية: إذا لم يجهر الإمام في الصلوات فاقرأ بأم الكتاب وسورة أخرى في الأولِيين من الظهر والعصر، وبفاتحة الكتاب في الأخريين من الظهر والعصر، وفي الآخرة من المغرب، وفي الأخريين من العشاء.
• وصح عن جابر بن عبد الله إخباره عن فعل الصحابة - رضي الله عنهم - بالقراءة خلف الإمام في السرية:
فقد روى مسعر بن كدام: حدثني يزيد بن صهيب الفقير، قال: سمعت جابر بن عبد الله، يقول: كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة سواها، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، وكنا نتحدث أنه: "صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما فوق ذاك"، وفي رواية: "لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب".
وهو صحيح له حكم الرفع، تقدم تخريجه في الشاهد الثالث.
• وصح عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، أنه قال: اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر.
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (٨٠٩).
• وأما ما رُوي عن عمر بن الخطاب في ذلك:
فقد رواه سليمان الشيباني، عن جوَّاب بن عبيد الله التيمي، قال: حدثنا يزيد بن شريك التيمي أبو إبراهيم التيمي، قال: سألت عمر بن الخطاب عن القراءة خلف الإمام؟ فقال لي: اقرأ، قال: قلت: وإن كنتُ خلفك؟ قال: وإن كنتَ خلفي، قال: وإن قرأتَ؟ قال: وإن قرأتُ.