فدل ذلك على صحة اختيار البخاري لإسناد ابن أبي مليكة، وإدخاله في صحيحه، وأن حديث: ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال: قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصارٍ؟ وقد سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطُولِ الطُّولَيَين: حديث صحيح، أودعه البخاري كتابه الجامع الصحيح.
• قال ابن رجب في الفتح (٤/ ٤٢٩): "ولعل مسلمًا أعرض عن تخريج هذا الحديث لاضطراب إسناده؛ ولأن الصحيح عنده إدخال مروان في إسناده، وهو لا يخرج له استقلالًا، ولا يحتج بروايته، والله أعلم".
قلت: تقدم بيان نفي هذا الاضطراب، وأن المحفوظ فيه رواية ابن أبي مليكة التي أخرجها البخاري.
ومن اعترض على تصحيح الحديث لوجود مروان بن الحكم في إسناده، فيقال له: نعم صدرت من مروان موبقات، لعله كان متأولًا فيها، وأما في الحديث والرواية فإنه صدوق لا يُتَّهم، قال عروة بن الزبير:"كان مروان لا يُتَّهم في الحديث"، ولفظه في التاريخ الكبير:"فلا إخاله يُتَّهم علينا"، وقد قبل روايته واعتمدها، بناءً على صدقه في الحديث: صحابي مشهور، وهو سهل بن سعد الساعدي، وكذلك روى عنه جماعة من كبار فقهاء أهل المدينة وعلمائها، مثل: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ومالك -وهو الحجة في أهل المدينة- قد أخرج له موطئه من حديثه ورأيه، ومن أخرج له مالك في موطئه فهو ثقة عنده، وقد كان مالك من أشد الناس انتقادًا للرجال، فرواية مالك له في موطئه وهو مدني: توثيق له، فقد سأل بشر بن عمر الزهراني مالك بن أنس عن رجل، فقال:"هل رأيته في كتبي؟ " قال: لا، قال:"لو كان ثقة لرأيته في كتبي"، وفي رواية:"أترى في كتبي عنه شيئًا؟ لو كنتُ أرضاه رأيتَ في كتبي عنه"، وقد سبق تقرير هذا القول، ونقل كلام أهل العلم فيه تحت شواهد الحديث السابق برقم (٦٢٣)، ومنها قول ابن الملقن في البدر المنير:"فهذا تصريح من هذا الإمام بأن كل من روى عنه في موطئه يكون ثقةً"، وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة:"ومن كان من أهل العلم ونصح نفسه: علم أن كل من وضعه مالك في موطئه وأظهر اسمه: ثقة، تقوم به الحجة"، وقد احتج واستشهد البخاري به في مواضع من صحيحه، وصحح له الترمذي [مقدمة صحيح مسلم (١/ ٢٦)، ضعفاء العقيلي (١/ ١٤)، الجرح والتعديل (١/ ٢٤) و (٢/ ٢٢)، المعرفة والتاريخ (٣/ ١٤٤ و ١٦٨)، المحدث الفاصل (٤١٠)، الكامل (١/ ٩١)، التمهيد (١/ ٦٨)، ترتيب المدارك (١/ ٧٥)، بيان الوهم (٤/ ٣٤٩/ ١٩٣٥) و (٥/ ٢٢/ ٢٢٥٧)، شرح مسلم للنووي (١/ ١٢٠)، تهذيب الكمال (٢٧/ ١١٢)، سير أعلام النبلاء (٨/ ٧٢)، البدر المنير (٣/ ٥٤٦)] [التاريخ الكبير (٧/ ٣٦٨)، صحيح البخاري (٧٦٤ و ١٥٦٣ و ١٦٩٥ و ٢٣٠٧ و ٢٨٣٢ و ٣٧١٧ و ٥٣٢١ و ٦١٤٥)، جامع