للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والأحاديث الصحيحة تدل على أنها آية من كتاب الله، وليست من الفاتحة ولا غيرها.

وقد تنازع العلماء هل هي آية، أو بعض آية من كل سورة، أو ليست من القرآن إلا في سورة النمل، أو هي آية من كتاب الله حيث كتبت في المصاحف وليست من السور، على ثلاثة أقوال.

والقول الثالث هو أوسط الأقوال، وبه تجتمع الأدلة؛ فإن كتابة الصحابة لها في المصاحف دليل على أنها من كتاب الله، وكونهم فصلوها عن السورة التي بعدها دليل على أنها ليست منها.

وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نزلت عليَّ آنفًا سورة" فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخرها.

وثبت في الصحيح: أنه أول ما جاء الملك بالوحي قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} [العلق: ١ - ٥] فهذا أول ما نزل، ولم ينزل قبل ذلك: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.

وثبت عنه في السنن أنه قال: "سورة من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، وهي ثلاثون آية بدون البسملة.

وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} " ... وذكر الحديث بتمامه، ثم قال:

"فهذا الحديث صحيح صريح في أنها ليست من الفاتحة، ولم يعارضه حديث صحيح صريح، وأجود ما يروى في هذا الباب من الحديث إنما يدل على أنه يقرأ بها في أول الفاتحة لا يدل على أنها منها، ولهذا كان القراء منهم من يقرأ بها في أول السورة، ومنهم من لا يقرأ بها، فدل على أن كلا الأمرين سائغ، لكن من قرأ بها كان قد أتى بالأفضل، وكذلك من كرر قراءتها في أول كل سورة كان أحسن ممن ترك قراءتها؛ لأنه قرأ ما كتبته الصحابة في المصاحف، فلو قُدِّر أنهم كتبوها على وجه التبرك لكان ينبغي أن تقرأ على وجه التبرك، وإلا فكيف يكتبون في المصحف ما لا يشرع قراءته؟ وهم قد جرَّدوا المصحف عما ليس من القرآن، حتى أنهم لم يكتبوا التأمين، ولا أسماء السور، ولا التخميس والتعشير، ولا غير ذلك، مع أن السُّنَّة للمصلي أن يقول عقب الفاتحة: آمين، فكيف يكتبون ما لا يشرع أن يقوله؟ وهم لم يكتبوا ما يشرع أن يقوله المصلي من غير القرآن، فإذا جمع بين الأدلة الشرعية دلت على أنها من كتاب الله وليست من السورة.

والحديث الصحيح عن أنس ليس فيه نفى قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، أو: فلم يكونوا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ورواية من روى: فلم يكونوا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا آخرها، إنما تدل على نفي الجهر؛ لأن أنسًا لم ينف إلا ما علم، وهو لا

<<  <  ج: ص:  >  >>