للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ضعف بعضها وسكت عن بعضها، وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر، فصنف فيه جزءًا، فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجهر فليس بصحيح، فأما عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه ضعيف، ثم تجرَّد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزرى على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف، وقد حصرنا ما ذكره وبينا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التعليق، ولم نر أحدًا ممن صنف تعاليق الخلاف ذكر في تعاليقه ما ذكرنا، ولعل أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا، وإنما بسطنا الكلام بعض البسط لأن هذه المسألة من أعلام المسائل، وهي شعار المذهب من الجانبين، ومبناها على النقل، ثم إنا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين: إما أن يكون جهر بها للتعليم، أو كما يتفق، كما روي أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا، والثاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر"، ثم ذكر مرسل سعيد بن جبير الذي أخرجه أبو داود في المراسيل، وتقدم.

وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (١/ ٢٧٠) في شرح حديث أنس: "والمتيقَّن من هذا الحديث عدم الجهر، وأما الترك أصلًا فمحتمل، مع ظهور ذلك في بعض الألفاظ، وهو قوله: لا يذكرون، وقد جمع جماعة من الحفاظ باب الجهر، وهو أحد الأبواب التي يجمعها أهل الحديث، وكثير منها أو الأكثر معتل، وبعضها جيد الإسناد؛ إلا أنه غير مصرَّح فيه بالقراءة في الفرض أو في الصلاة، وبعضها فيه ما يدل على القراءة في الصلاة؛ إلا أنه ليس بصريح الدلالة على خصوص التسمية، ومن صحيحها: حديث نعيم بن عبد الله المجمر، ... [ثم ذكره، ثم قال:] وقريب من هذا في الدلالة والصحة: صلاة المعتمر بن سليمان وكان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قبل فاتحة الكتاب وبعدها، ... [ثم ذكره، ثم قال:] وإذا ثبت شيء من ذلك فطريق أصحاب الجهر أنهم يقدمون الإثبات على النفي، ويحملون حديث أنس على عدم السماع، وفي ذلك بُعدٌ مع طول مدة صحبته".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لكن لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يجهر بها، وليس في الصحاح ولا السنن حديث صحيح صريح بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة؛ بل موضوعة، ولهذا لما صنف الدارقطني مصنفًا في ذلك، قيل له: هل في ذلك شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا، وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف.

ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجهر بها دائمًا لكان الصحابة ينقلون ذلك، ولكان الخلفاء يعلمون ذلك، ولما كان الناس يحتاجون أن يسألوا أنس بن مالك بعد انقضاء عصر الخلفاء، ولما كان الخلفاء الراشدون ثم خلفاء بني أمية وبني العباس كلهم متفقين على ترك الجهر، ولما كان أهل المدينة -وهم أعلم أهل المدائن بسُنَّته- ينكرون قراءتها بالكلية سرًّا وجهرًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>