للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي - رضي الله عنهم -، على اختلاف في ذلك عن عمر وعلي، ولم يختلف عن ابن مسعود في أنه كان يخفيها، وهو قول إبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وغيرهم، وهي آية من أول فاتحة الكتاب عند جماعة قراء الكوفيين، وجمهور فقهائهم، إلا أن السُّنَّة عندهم فيها إخفاؤها في صلاة الجهر تسليمًا، واتباعًا للآثار المرفوعة في ذلك.

وقال الكرخي وغيره من أصحاب أبي حنيفة: إنه لا يحفظ عنه هل هي آية من فاتحة الكتاب أم لا؟ قالوا: ومذهبه يقتضي أنها ليست آية من فاتحة الكتاب؛ لأنه يسر بها في صلاة الجهر وذهب الشافعي، وأصحابه إلى قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول فاتحة الكتاب، جهرًا في صلاة الجهر، وسرًّا في صلاة السر، وقال: هي آية من فاتحة الكتاب، أول آياتها، ولا تتم سبع آيات إلا بها، ولا تجزئ صلاة لمن لم يقرأها؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ... ، ومن لم يقرأها كلها فلم يقرأها، وقول أبي ثور في ذلك كله كقول الشافعي، وروي الجهر بها عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - على اختلاف عنهما-، وروي ذلك عن عمار، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن الزبير، ولم يختلف في الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عن ابن عمر، وهو الصحيح عن ابن عباس أيضًا، وعليه جماعة أصحابه: سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وهو مذهب ابن شهاب الزهري، وعمرو بن دينار، وابن جريج، ومسلم بن خالد، وسائر أهل مكة.

واختلف قول الشافعي وكذلك اختلف أصحابه في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في غير فاتحة الكتاب: هل هي من أوائل السور آية مضافة إلى كل سورة أم لا؟ وتحصيل مذهبه أنها آية من أول كل سورة، على قول ابن عباس: ما كنا نعلم انقضاء السورة إلا بنزول {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول غيرها، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وعطاء، وطاوس، ومكحول، وإليه ذهب ابن المبارك، وطائفة، ... " [وانظر أيضًا في بيان مذاهب أهل العلم في هذه المسألة: نصب الراية (١/ ٣٢٧)].

وقال ابن العربي في العارضة (٢/ ٤١): "ثبت بالنقل المتواتر من أهل المدينة إلى زمان مالك أن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عري عن الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فلا يلتفت بعد التواتر إلى أخبار آحاد شذت عن علماء الصحيح المتقدمين، فجاء هؤلاء وهم المتأخرون يعني: فأثبتوها وعملوا بها، وقال نحوه في أحكام القرآن (١/ ٧) [ونقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (١/ ١٣٢)].

وقال ابن الجوزي في التحقيق (١/ ٣٥٦): "وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علمٌ بالنَّقل أن يعارض بها الأحاديث الصحاح، ولولا أن يعرِض للمتفقه شبهةٌ عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى، ويكفي في هجرانها إعراض المصنفين للمسانيد والسنن عن جمهورها، وقد ذكر الدارقطني منها طرفًا في سننه فبيَّن

<<  <  ج: ص:  >  >>