للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الوجه الثاني: أن قوله: فقرأ، أو قال؛ ليس بصريح أنه سمع منه، إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيمًا بأنه قرأها سرًّا، ويجوز أن يكون سمعها منه في مخافتةٍ لقربه منه،. . .، وأيضًا فلو ساغ التمسك على الجهر بمجرد قوله: فقرأ؛ لساغ لمن لا يرى قراءتها بالكلية الاعتماد على ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ولم يسكت، قال الطحاوي: في هذا الحديث دليل على أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليست من فاتحة الكتاب، ولو كانت من فاتحة الكتاب لقرأها في الثانية كما قرأ فاتحة الكتاب، والذين استحبوا الجهر بها في الركعة الأولى لأنها عندهم من فاتحة الكتاب استحبوا ذلك أيضًا في الثانية، فلما انتفى بهذا أن يكون قرأها في الثانية؛ انتفى أن يكون قرأها في الأولى، وعارض هذا حديث نعيم المجمر؛ بل هو أولى لاستقامة طريقه، وفضل صحته على حديث نعيم، فإن قيل: إنما أراد أبو هريرة الاستفتاح بالسورة لا بالآية، قلنا: هذا فيه صرف اللفظ عن حقيقته وظاهره، وذلك لا يسوغ إلا لموجب، وأيضًا: فلو أراد اسم السورة لقال بفاتحة الكتاب، أو بسورة الحمد، أو بأم القرآن، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم، كما في البخاري عن أبي هريرة مرفوعًا: "أم القرآن هي السبع المثاني"، وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت مرفوعًا: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"، وفي رواية: "بفاتحة الكتاب"، وأما تسميتها بجملة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فلا يعرف ذلك عندهم، فدل على أنه أراد استفتاحه بهذا الآية دون البسملة، وهذا الحديث إسناده أصرح دلالة من حديث نعيم، والله أعلم.

الوجه الثالث: أن قوله: إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما أراد به أصل الصلاة ومقاديرها وهيئتها، وتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه، بل يكفي في غالب الأفعال، وذلك متحقق في التكبير وغيره دون البسملة، فإن التكبير وغيره من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة، وكان مقصوده الرد على من تركه، وأما التسمية ففي صحتها عنه نظر، فلينصرف إلى الصحيح الثابت دون غيره، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه من كل وجه: ما في الصحيحين: عن ثابت عن أنس، قال: إني لا آلو أن أصلي بكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع من السجود مكث حتى يقول القائل: قد نسي، فهذا أنس قد أخبر بشبه صلاته بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان يطيل ركعتي الاعتدال، والفصل إلى غاية يظن به النسيان، ومع ذلك فالشافعية يكرهون إطالتهما، وعندهم وجهان في بطلان الصلاة بها، فهلا كان حديث أنس هذا دليلًا على وجوب إطالتهما؛ مع صحته، وموافقته للأحاديث الصحيحة، كما كان حديث أبي هريرة دليلًا على وجوب قراءة البسملة والجهر بها؛ مع علة مخالفته للأحاديث الصحيحة، وأيضًا فيلزمهم أن يقولوا بالجهر بالتعوذ؛ لأن الشافعي روى: أخبرنا ابن محمد الأسلمي، عن ربيعة بن

<<  <  ج: ص:  >  >>