للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فيما استدركه على الخطيب، قال ابن عبد الهادي في رده على من احتج بحديث نعيم المجمر: "والجواب عنه من وجوه:

أحدهما: أنه حديث معلول؛ فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة، وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حدَّث عن أبي هريرة أنه عليه السلام كان يجهر بالبسملة في الصلاة، وقد أعرض عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة صاحبا الصحيح، فرواه البخاري من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، فيكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع،. . . [فذكر الحديث بتمامه إلى قوله:] والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا، ورواه مسلم بنحو ذلك، هذا هو الصحيح الثابت عن أبي هريرة، قال ابن عبد البر: وكأنه كان ينكر على من ترك التكبير في رفعه وخفضه،. . . [ثم ذكر حديث سعيد بن سمعان عن أبي هريرة المتقدم برقم (٧٥٣)، ثم قال:] وليس للتسمية في هذا الحديث، ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر، وهذا مما يغلب على الظن أنه وهم على أبي هريرة، فإن قيل: قد رواها نعيم المجمر، وهو ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، قلنا: ليس ذلك مجمعًا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقةً حافظًا ثبتًا، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: "من المسلمين" في صدقه الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكمًا عامًّا فقد غلِط، بل كل زيادة لها حكم يخصها، ففي موضع يجزم بصحتها، كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، كزيادة سعد بن طارق في حديث: "جعلت الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا"،. . .، وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة، كزيادة معمر ومن وافقه قوله: "وإن كان مائعًا فلا تقربوه"،. . . [إلى أن قال:] وفي موضع يتوقف في الزيادة، كما في أحاديث كثيرة، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه.

وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها لمن قال بالجهر؛ لأنه قال: فقرأ، أو فقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وذلك أعم من قراءتها سرًّا أو جهرًا، وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها، فإن قيل: لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة ثم جهر بالفاتحة لم يعبر عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة للفاتحة والبسملة تناولًا واحدًا، ولقال: فأسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة، والصلاة كانت جهريةً بدليل تأمينه وتأمين المأمومين، قلنا: ليس للجهر فيه تصريح ولا ظاهر يوجب الحجة، ومثل هذا لا يقدَّم على النص الصريح المقتضي للإسرار، ولو أخذ الجهر من هذا الإطلاق؛ لأخذ منه أنها ليست من أم القرآن، فإنه قال: فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ثم قرأ أم القرآن، والعطف يقتضي المغايرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>