عثمان، عن صالح بن أبي صالح؛ أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعًا صوته في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم، فهلا أخذوا بهذا، كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في الصحيح عنه: فما أسمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير.
وكيف يُظَنُّ بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة، وهو الراوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"يقول الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال الله: حمدني عبدي،. . . "[فذكر الحديث بتمامه، ثم قال:] وهذا الحديث ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة، وإلا لابتدأ بها؛ لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة، حتى إنه لم يخل منها بحرف، والحاجة إلى قراءة البسملة أمس ليرتفع الإشكال، قال ابن عبد البر: حديث العلاء هذا قاطع تعلق المتنازعين، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثًا في سقوط البسملة أبينَ منه. . . .".
ثم قال: "وأيضًا: فلا ريب أن الخلفاء الراشدين وغيرهم من أئمة الصحابة كانوا أعلم بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشد تحريًّا لها من أبي هريرة، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم من أئمة الصحابة: لا يرون الجهر بالبسملة في الصلاة، قال الترمذي في جامعه بعد ذكره ترك الجهر: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين، وكيف يعلل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه بالحديث الضعيف الذي رواه الدارقطني؟! وهلا جعلوا الحديث الصحيح علة للضعيف، ومخالفة أصحاب أبي هريرة الثقات الأثبات لنعيم موجبًا لرده؟ إذ مقتضى العلم: أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح كما فعلنا نحن" [وانظر أيضًا: نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (٣/ ٥٧٣)].
وقال ابن حجر في النكت (٢/ ٧٧٠): "وهو حديث صحيح لا علة له، ففي هذا رد على من نفاها ألبتة، وتأييد لتأويل الشافعي رضي الله تعالى عنه، لكنه غير صحيح في ثبوت الجهر، لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حال مخافتته لقربه منه، فبهذه تتفق الروايات كلها".
قلت: الحق مع ما ذهب إليه ابن رجب وابن عبد الهادي، والله أعلم، ولحديث أبي هريرة هذا طرق كثيرة بدون ذكر التسمية فيه، نذكر شيئًا منها:
أ- مالك، ومعمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كيسان، ويونس بن يزيد، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي، وغيرهم:
عن ابن شهاب، عن أبي سلمة؛ أن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. هذا لفظ مالك