يرويه عن حسام، عن قتادة، من قوله. وكذلك قال سعيد بن بشير؛ رواه عن قتادة، لم يجاوز به. وهذا أشبه"، وهذا الاختلاف الذي ذكره الدارقطني وإن كان ذكره ضمن الاختلاف في حديث همام وجرير عن قتادة في كيفية القراءة بالمد، إلا أنه عندي من باب الاستطراد بذكر حديث آخر، كما هو ظاهر من سياق الحديثين، كما أنه لا يُعَلُّ حديث ثقتين مثل همام وجرير، بحديثِ متروكٍ مثل حسام بن مصك، أو بمثل ما يرويه سعيد بن بشير، وهو: ضعيف، ممن يروي عن قتادة المناكير، وإنما أراد الدارقطني أن الأشبه من حديث: ما بعث الله نبيًّا. . . أنه من مراسيل قتادة، والله أعلم.
وأما ذكره لتضعيف ابن معين لحديث جرير، فهو معارض بتصحيح البخاري له.
وأما قوله بأن روايات جرير بن حازم عن قتادة فيها مناكير، فهذا صحيح إذا تفرد عن قتادة [وانظر مثلًا: الحديث المتقدم برقم (١٧٣)، والحديث رقم (٣٩٤)، الشاهد رقم (٣) من حديث أنس]، ولكنه هنا قد توبع، تابعه همام بن يحيى، وهو من ثقات أصحاب قتادة، بل إن ابن عدي نفسه لما أورد هذا الحديث ضمن أحاديث تفرد بها جرير عن قتادة، استثنى هذا الحديث فقال: "وهذه الأحاديث عن قتادة عن أنس التي أمليتها لا يتابع جريرًا أحدٌ؛ إلا حديث: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمد صوته بالقراءة، فإنه رواه همام أيضًا عن قتادة".
وأما متابعة حرب بن شداد عن قتادة، فهي عندي معتبرة؛ فإن راويها عنه ليِّن الحديث، تصلح رواياته في المتابعات، فهي تعضد رواية همام وجرير، والله أعلم.
قلت: وفي هذا الحديث فسَّرت روايةُ جرير روايةَ همام، وأن أنسًا نعت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها كانت مدًّا، يما صوته بالقرآن مدًّا، ثم مثَّل ذلك أنسٌ لقتادة حتى يقرِّب له المعنى المراد من المدِّ، فقرأ أنس البسملة ومدَّها، لا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ البسملة في الصلاة ويمدُّها هكذا، وإنما هو فعل أنس، كما أن السؤال والجواب لم يقع فيه ذكرٌ للصلاة، وإنما هو لمطلق القراءة، والله أعلم.
قال الحازمي في الاعتبار (١/ ٣٣٩): "وفيه دلالة على الجهر مطلقًا، وإن لم يتقيد بحالة الصلاة، فيتناول الصلاة وغير الصلاة".
قال ابن حجر في النكت (٢/ ٧٦٢): "وأما احتجاج أبي شامة على أن سؤال قتادة له في الحديث الذي أخرجه البخاري عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وجواب أنس رضي الله تعالى عنه أنها كانت مدًّا، حيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن، دل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالبسملة في قراءته؛ ففيه نظر لأنه يحتمل أن يكون ذِكر أنس للبسملة على سبيل المثال لقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينتهض الدليل على ذلك،. . ."، وقال في الفتح (٩/ ٩١): "ولأنه إنما ورد بصورة المثال؛ فلا تتعين".
وأما دعوى العموم التي تمسك بها الحازمي وأبو شامة في هذا الحديث فقد ردها ابن حجر في النكت (٢/ ٧٦٢) بتأصيل جيد.