الاختلاف إلى ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا إلى غيره، وقوله الصريح في ذلك أولى من الفعل؛ إذ إن حديث أبي ذر قد سيق مساق التشريع العام، بخلاف الفعل في حديث ابن عباس وحديث عائشة؛ فإنهما يحتملان من التأويل ما لا يحتمله القول الصريح.
• وعلى هذا فإن عمدة هذه الأبواب هو: حديث أبي ذر، وشاهداه عن أبي هريرة وعبد الله بن مغفل، ففي حديث أبي ذر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود"، وفيه:"الكلب الأسود شيطان" [تقدم برقم (٧٠٢)].
وقد عارضه في الحمار [فيما صح] حديث ابن عباس [المتفق عليه] قال: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى، فمررتُ بين يدي بعض الصف فنزلتُ، فأرسلتُ الأتانَ ترتع، ودخلتُ في الصفِّ، فلم ينكرْ ذلك أحدٌ، وقد تقدم تخريجه فيما سبق برقم (٧١٥).
وعارضه في المرأة حديث عائشة - رضي الله عنها -[المتفق عليه]، أنها قالت: ما تقولون ما يقطع الصلاة؟ قال: فقالوا: الكلب والحمار والمرأة، فقالت عائشة: إن المرأة إذًا دابة سوء؛ لقد رأيتني وأنا معترضة بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتراض الجنازة، وهو يصلي، وقد تقدم تخريج طرقه فيما سبق برقم (٧١٠ - ٧١٤).
ولم يعارضه في الكلب شيء يصح، وقد اختلف موقف العلماء من هذه الأحاديث، ولما كانت كلها صحيحة، كان الأولى الجمع بينها، وإعمالها جميعًا؛ إذ إن إعمال جميع الأدلة -طالما أمكن- أولى من إهمال بعضها، طالما لم يثبت لدينا نص يدل على أن بعضها ناسخ لبعض.
وبناءً على ذلك: فيقال بأن حديث ابن عباس إنما كان في مرور الحمار بين يدي المأمومين، ولما كانت سترةُ الإمام سترةً للمأمومين، لم يضر المأمومين مرورُ الحمار بين أيديهم، فإن صلاتهم محفوظة بسترة إمامهم، والله أعلم.
وأما حديث عائشة فهو في المرأة حال كونها معترضة، أو نائمة، أو ساكنة، فيخرج بذلك مرور المرأة أمام المصلي بينه وبين سترته، فتقطع صلاته حينئذ، والله أعلم.
• أسوق بعد ذلك بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة، مرتبًا إياها على وفياتهم، دون تعقب، إذ قد بيَّنت ما ظهر لي من وجه الصواب، والله أعلم.
قال الشافعي في اختلاف الحديث (١٠/ ١٢٦ - الأم): "لا يجوز إذا روي حديث واحد: أن رسول الله قال: "يقطع الصلاة: المرأة والكلب والحمار"، وكان مخالفًا لهذه الأحاديث، فكان كل واحد منها أثبت منه، ومعها ظاهر القرآن؛ أن يُترك إن كان ثابتًا إلا بأن يكون منسوخًا، ونحن لا نعلم المنسوخ حتى نعلم الآخر، ولسنا نعلم الآخر، أو يُرَدُّ ما يكون غيرَ محفوظ، وهو عندنا غير محفوظ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى وعائشة بينه وبين القبلة، وصلى وهو حامل أمامة، يضعها في السجود، ويرفعها في القيام، ولو كان ذلك يقطع