هـ- ولم يتفق الرواة عن بشير بن سلمان في ذلك، بل قد اختلفوا، فمنهم من قال: عن سيار أبي الحكم، ومنهم من قال: عن سيار حسب، ومنهم من قال: عن سيار أبي حمزة.
و- أن رواية سفيان الثوري قد احتفت بها عدة قرائن تدل على أنها هي المحفوظة: فمنها: حفظ سفيان وضبطه، فقد كان أحفظ أهل زمانه، وكان أحفظ من شعبة بن الحجاج، ثم رواه عنه عبد الرزاق، وسمعه منه باليمن، قال الأثرم في سؤالاته (٢): "قال أبو عبد الله: سماع عبد الرزاق من سفيان بمكة مضطرب، فأما سماعه باليمن الذي أملى عليهم، فذاك صحيح جدًّا، كان القاضي يكتب، فكانوا يصححون".
وقال ابن رجب في شرح العلل (٢/ ٧٧١): "قال أبو عبد الله أحمد: قال عبد الرزاق: كان هشام بن يوسف القاضي يكتب بيده، وأنا أنظر، -يعني: عن سفيان باليمن-، قال عبد الرزاق: قال سفيان: ائتوني برجل خفيف اليد، فجاؤوه بالقاضي، وكان ثم جماعة يسمعون، لا ينظرون في الكتاب، قال عبد الرزاق: وكنت أنا أنظر، فإذا قاموا ختم القاضي الكتاب.
قال أبو عبد الله: لا أعلم أني رأيت ثمة خطأ إلا في حديث بشير بن سلمان، عن سيار، قال: أظن أني رأيته عن سيار، عن أبي حمزة، فأراهم أرادوا: عن سيار أبي حمزة، فغلطوا، فكتبوا: عن سيار، عن أبي حمزة".
قال ابن رجب:"هذا كله كلام أحمد رحمه الله ليبين به صحة سماع عبد الرزاق باليمن من سفيان، وضبط الكتاب الذي كتب هناك عنه".
يضاف إلى ذلك عدم تفرد عبد الرزاق عن الثوري بذلك، بل قد تابعه: عمر بن علي المقدمي، والمعافى بن عمران، وهما ثقتان.
ز- ذهب أحمد وأبو داود إلى تخطئة بشير بن سلمان في ذلك، وأن الخطأ منه، لا من هؤلاء الثقات الذين رووه عنه فقالوا: عن سيار أبي الحكم، وغلب على ظن الإمام أحمد أن هذا كان تلقنه بشير.
وكلام يحيى بن معين يُشعر بذلك، فإنه لما سئل عن بشير بن سلمان، فقال:"ثقة كوفي، الذي روى عن سيار، وليس هو سيار أبي الحكم، هو سيار أبو حمزة" [سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين (٨٢١)]، فكلامه يُشعر بأن بشيرًا هو الذي أخطأ فيه، فقال: أبو الحكم، وإنما هو أبو حمزة، كما رواه مرة على الصواب، في رواية الثوري وابن المبارك، كما أن قول أبي حفص الفلاس:"أخطأ، إنما هو سيار أبو حمزة"، يمكن حمله على تخطئة بشير أيضًا، والله أعلم.
ح- أن بشير بن سلمان النهدي، أبا إسماعيل الكوفي، الذي اختلف عليه في ذلك: لم يكن بذاك الحافظ الذي يعتمد على حفظه، فهو وإن وثقه: أحمد، وابن معين، والعجلي، وقال أبو حاتم:"صالح الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، فقد قال عنه