مغلقة الأبواب. وإذا فسدت عليه هذه الخلوة، فسد إحساسه بالحياة وأحيائها. وإذن، فمن الإثم والعدوان، أن تحتال على أحد، متوهما أنك قادر على أن تجعل إحساسه بالأشياء كإحساسك. إنك آثم لا محالة. إنك تفسده وتفسد عليه حياته. إنك تعنف به حتى يخرج من خلوة الفطرة من حرية الحس. نعم، بل أنت تتلذذ باستلحاقه في إحساسك، تتلذذ بخضوع سر حريته لسطرتك، تتلذذ تلذذا بشعا باستعباده!
* * *
باطل الأباطيل أن يحس جماعة من البشر بإحساس واحد. إنه خلط قبيح. إنه إذلال كل فرد لطاغوت مكذوب يقال له الجماعة. كل امرئ منا له حس منفرد، يجرد للإحساس لشيء واحد، هو ما انطوت عليه هذه الحياة الدنيا، كما فطرها فاطر السموات والأرض ومن فيهن. والذي يجمع البشر في هذه الحياة، هو هذه القضية المركبة: حس ينفرد به كل امرئ منهم، يتجرد للإحساس بعالم واحد يتعايشون فيه. العالم الواحد هو الذي يربطهم، لا تطابق إحساسهم تطابقا تاما أو غير تام.
والإنسان ليس مدنيا بالطبع، كما يزعم الزاعمون، بل هو مدنى بالضرورة. والضرورة هي هذا العالم الواحد الذي نعيش فيه، والذي لا فكاك منه إلّا جسام المنية. هذا العالم الذي يأسرنا، هو وحده الذي يربط بيننا، وهو وحده الذي يؤلف بين هذه الأحياء المُحِسَّة به، وكل حي منها منفرد بإحساسه، مستقل به وحده.
لا يتطابق حِسَّان بإحساس واحد أبدا، بل يتطابق حسان على الإحساس بشيء واحد ولا مفر. وهما قضيتان مختلفتان في أصلهما، مختلفتان في نتيجتهما.
* * *
أنبل جهدك أن توقظ إنسانا حتى يحس، وسبيلك أن تفطن إلى شيء واحد: هو أنك أحسست بهذا الشيء أو ذاك. فإذا فطن له وتهيأ أن يحس به، فذلك