بل كيف يستغرق الحس الحركة؟ يا عجبا كل العجب! إنه أمر لا يكاد يدركه إلا من مارسه في سريرة نفسه. لذة لا توصف، ولكنها تعقب أحيانا ألما لا يستقر. لذة تتملَّى بها وحدك، وإذا هي تنسرب بك إلى جنة مونقة تدلت عليك بأثمارها. أما الألم، هو الذي يلذعك إذا روعك عن استغراق حسك طارق لم تكن تتوقعه.
أجدني أحيانا في أمر والناس معى، ثم يستغرقنى عنهم حس أنفرد به، وإذا أنا معهم ولست معهم. ثم ينبرى سائل فيسألنى عن شيء غير الذي أنا فيه، فأنتبه كالمذعور، ويختلط على ما أنا فيه بما سئلت عنه. وعندئذ أرى كل شيء يفر مني كأنى ما عرفته من قبل، ويأخذنى ما قدم وما حدث، ويخرجنى التنبه قسرا من استغراق الحس إلى حركة لم أتهيأ لها، وتتضارب على لسانى كلمات لم أردها، وأقول ذاهلا، ما لو تأنيت قليلا حتى أستقر لما قلته. إنه قول منزعج عن حقيقته، لو اطمأن لاستقام على وجهه. فمن لي بمن يحس بما أحس به، حتى يتفق حسى وحسه، ثم يقظتى ويقظته!
* * *
أمن الممكن حقا أن تجعل إنسانًا يحس بما تحس به؟ باطل محض. الحس عمل متصل لا ينقطع، بعضه يأتي في أعقاب بعض. أجل، ليس من الممكن أن تفرغ نفس إنسان من ماضي إحساسها، وتفرغ نفسك من سالف إحساسها، كى تبتدئا معا، وتسيرا معًا إلى النهاية. هذا مستحيل. وإذا استحال، فيستحيل معه أيضًا أن تجعل إنسانًا يحس بما تحس به. نعم قد يستقيم في بعض الكلام أن تقول لأخيك:"إني أحس بما تحس به"، ولكنك تعني عندئذ أنك توجهت بإحساسك إلى شيء كان إحساسه قد توجه إليه. أما لو ظننت أن إحساسك به مثل إحساسه، فهذا باطل. وألفاظ اللغة تضلل من لا يتوقى مجاهلها.
* * *
كل امرئ منا عالَم وحده، لأنه يحس إحساسا واحدا لا يشركه فيه أحد من بني جلدته، وكل امرئ منا هو في أصل طبيعته يعيش في خلوة تامة -في غرفة