وأين كانت الجامعات ومعاهد العلم هذه السنين ذوات العدد، فلم توجه طلابها لدراسة إنتاجه البعيد الغور في أعماق الفكر والمتراحب الآفاق في أجواء الشعر والأدب والنقد واللغة حتَّى سنة ١٩٨٥؟
إذا استطعت أن تكون مُقْسِطًا، وأجبت في حَيْدة دون أن تهوى في مزالق الأهواء فهمتَ لماذا آثر الأستاذ شاكر أن يعيش رهين بيته، وقد صار إحساسه المبهم القديم بانغماسه في "حياة فاسدة من كل وجه" متصاعدًا يقينًا لاشك فيه، وفهمت أيضًا قصة الكتاب التي حكيتُها في صدر هذا التقديم.
وبعد،
فقد خالفتُ الأستاذَ محمود شاكر مرتين، مرة في حياته في صدر شبابي بِنَشْري شعر الأحوص الأنصاري، ومرة بعد مماته بعد أن ولَّى الشباب وأَنَفْتُ على العمر بنشري مقالاته، وكنت محقًا في الأولى، وما أخطأتُ في الثانية، فلعله -طيب الله ثراه- يفيء إلى الحق في هذه كما عاد إليه في تلك.