لا يبالي أن يحترق ولا يحفل أن يعود سالمًا، ثم استشهد بهذا البيت عن شرائع الموت التي أنزله إياها الأستاذ الزيات حين دعاه أن يكتب بعد انقطاع دام خمس سنين. ولولا خشية الإطالة لأتيتك بأدلة أخرى من المقالات الثلاث التي أعقبت هذا المقال، وهي: أبصر طريقك، باطل مشرق، غرارة ملقاة، وهي آخر ما كتب في ٢٣ فبراير ١٩٥٣ وهو في محبس عزلته التي ارتضاها لنفسه منذ ذلك التاريخ. فقد عزم على أن يدع قلمه قارًّا حيث هو في سِنَة لا تنقطع حتَّى يعلوه صدأ لا ينجلى. وكان قبلُ قد نذر على قلمه أن لا يكفَّ عن القتال في سبيل العرب ما استطاع أن يحمله وما أتيح له أن يجد مكانًا يقول فيه الحق ويدعو إليه، ولكن مجلة الرسالة التي وصفها بأنها "ملاذ الأقلام الحُرَّة التي لا تَثْنيها عن الحق رهبةٌ، ولا تصدَّها عن البيان مخافةٌ" قد بات عسيرًا أن يجرى قلمه على صفحاتها، فقد أُغْلِقت مجلة الرسالة بعد آخر عدد كتب فيه مقاله "غرارة ملقاة" في ٢٣ فبراير ١٩٥٣. وإذا كان الأستاذ شاكر قد كفَّ قلمه عن الكتابة، فلم يكف لسانه عن الكلام ونقد النظام السياسي آنذاك فاعْتُقِل مرتين خلال حكم الرئيس جمال عبد الناصر، أولاهما استمرت تسعة أشهر من ٩ فبراير سنة ١٩٥٩ إلى آخر أكتوبر من نفس السنة، وثانيتهما دامت ثمانية وعشرين شهرًا من ٣١ أغسطس عام ١٩٦٥ إلى ٣٠ ديسمبر ١٩٦٧. وكانت الذريعة التي تعلق بها النظام بشأن الاعتقال الثاني أن الأستاذ شاكر كان يرمي إلى إثارة فتنة طائفية بمقالاته التي كتبها ردًا على لويس عوض.
فانظر الآن أي ضرب من الرجال هو! شاعر فذٌّ تجاهل شعره النقاد، ولم يلتفت أحد منهم إلى "القوس العذراء" إلا بعد ثلاثين سنة من نشرها. وباحث عبقري أتى بمنهج فريد في كتابه "المتنبي" لم ينتبه إليه أحد، وكاتب واسع الثقافة يقوم بكل علوم العربية لم يقدره أحد حق قدره، ومجاهد سياسي أفنى حياته يدافع عن وطنه وعروبته، وتراثه وحضارته وعربيته، فذهب قوله باطلًا وضاع صوته مختنقًا، ولم يجن من حياته إلا شقاء انتهى به إلى ظلام السجون.
جعل الرَّجُل كل ذلك ظهريًا، وعاش في عزلة فرضها على نفسه غير مبال