عكازتين كأنها هي الأخرى من ذوي العاهات الذين خَففتهم الحرب عُرْجًا وظُلَّعًا أو شرًا من ذلك. فأي هزل هذا؟ أي هزل هذا الذي يؤمن به رجال يخالهم الناس من أصحاب العقل والحكمة وسداد الرأي في المعضلات؟ وماذا فعلوا منذ بدأوا إلا أن قدَّم الإنجليز مشروعًا وقدموا مشروعًا؟ ولا يزالون كذلك إلى يومنا هذا. فهم إنما يتقارضون كلامًا لا يغنى عنهم ولا عن مصر. وفيم يتفاوضون؟ ألا إن الحق بين والغصب بين، فقولوا لأصحابكم الذين تفاوضون إن مصر لا تريد إلا تحقيق هذه الكلمات:"الجلاء ووحدة وادي النيل". إننا نريد مصرنا وسوداننا. إننا لا نريد منكم إلا أن تدعونا وشأننا، اخرجوا من بلادنا، فارقونا. قولوا ذلك وعلِّموا الشعوب يإيمانكم وإصراركم أن تكون أشد إصرارًا وإيمانا وأوفى شجاعة وأقدر صبرًا، وإلا فسوف يأتي يوم يجدُّ فيه الشعب جدَّه، فإذا الذي ظننتم أنه مجد لكم هو أبغض شيء إلى الشعب، واعلموا أنه لا مجدَ إلا بِفعَال، والهزل مَخْبَثة للفَعال، فجدّوا إذن وعودوا إلى الإنجليز من حيث بدأوا بكم.
إن هذا الذي يحدث في الهند وفي مصر حسرة للنفوس تطوى تحتها أسوأ مغبَّة، فهل من رجال ينقذون بلادهم من شرِّ هذه الموبقة المستطيرة؟ إن الحكام والمفاوضين طُلَّابَ المجد لن يذوقوا لذة المجد حتى يكون الشعب هو الذي يذوق لهم طعمه، فإذا استكرهه، فلا تخدعنهم الحلاوة التي يجدونها في ألسنتهم، فإنها مرارة الدهر وذلّ الأبد، ورحم الله المتنبي:
مَن أطاق التماس شيء غلابًا ... واغتصابًا لم يلتمسه سؤالا