محمول؟ كل ذلك ممكن، ولكنه على كل حال مَتْعَبة وشقاءٌ لحامل القلم ما بعده شقاء ولا تعب.
وأعرف رجلا من أصدقائي الكتاب، إذا حمل القلم وكتب كلمات ألقى قلمه ضجرًا يائسًا متململا من عُسر المدخل الذي دخل به على ما أراد، فإذا عاد عاد القلم إلى جماحه وتعذره، ولا يزال كذلك مرة بعد مرة حتى يرى قلمه قد رضى وأطاع ومضى إلى آخر حرف في المقالة غير متوقف ولا متلعثم، وقد قال لي: إنه ربما مضت الأيام على ذلك الحِران، مع أنه يعلم مستيقنًا أن الفكرة كانت قد اختمرت واستوت وتهيأت له من قبل أن يحمل القلم بأيام، وأنه كان يظن أنه لن يحمل قلمه حتى يراه قد انساب انسيابًا لا يعوقه شيء، فإذا فرغ من كتابة ما أراد لم يجد أنه زاد قليلا ولا كثيرًا عما كان فكَّر فيه وعزم على كتابته. فأي سر هذا الذي ينطوى عليه القلم حتى يكون هو المتصرف الذي لا يردّ لما أرَادَهُ أمر؟ قد تقول: إنه الحالة النفسية التي يكون عليها الكاتب؛ وقد تقول: إنه الجو الذي تعيش فيه الكلمات التي يبتغى استنفارها من مكامنها؛ وقد تقول أشياء كثيرة من هذا وأمثاله، ولكن يبقى أنك لا تكاد تميز بعدَ الكتابة شيئًا من الاختلاف عما كنت قد فكرتَ فيه وأدرته في نقسك وعرفت أنه قد أطاع لك، فمن أين جاء هذا التوقف العجيب الذي تعتاده بعض الأقلام؟ !
وأنا قد جربت نفسي، فرأيتني إذا أردت أن أكتب أحيانًا شعرًا يدور في قلبي ويلح على خاطري، فأمسكت أي الأقلام وقعت عليه يدي، فإذا هو عصيٌّ عنيدٌ لا تلين له سنٌّ -أو قناة على ما يقولون- فإذا ألقيتُه وحملتُ القلم الذي اعتدتُ زمانًا أن أكتب به الشعر، أو الذي اعتاد هو أن يكتب لي الشعر، انطلق على سجِيته طيّعًا رفيقًا سهل المقادة حسَن التهدي إلى قِبلة الشعر. فأحبُ الآراء إليَّ أن أجعل للقلم شخصية منفصلة تعين الكاتب أو تعانده، فذلك أشبه بالسلطان العريض العظيم الذي فرضته الأقلام على الحياة، والذى لولاه لعاش الإنسان ومات وكأنه لم يوجد قط.