التشهد: السلام عليك أيها النبي"! عسى ولعل، ولعل أهل القبلة أخطأوا جميعًا وأصبت أنت! بما أوتيت من التدقيق والتحقيق والفحص وطلب المواثيق! !
وأما إنكارك الحديث على ما خَيَّلَتْ (١) لك، وأنه مما لا يستشهد به أهل اللغة والنحو، واحتجاجك على ذلك بشيء اقتطعته من بحث في خزانة الأدب ج ١ ص ٦، ولم تتمه على وجهه بالتدقيق والتحقيق والفحص وطلب المواثيق كدأبك وعلى عادتك، فهذا باب وحده لو ارتطمت فيه لم تعرف مخرجك منه. وما الذي ألجأك إلى هذا أيها العزيز؟ ألأني أتيتك بحديث المسند ج ٤ ص ٤٣٩ وفيه النص على أن المسلمين كانوا يبدأون التحية بقولهم "السلام عليك"؟
والحديث الصحيح الذي استخلصه رواتنا رضي الله عنهم، فنفوا عنه كذب الكاذبين، وتحريف الغالين، وانتحال المبطلين حجة في اللغة والنحو، ولو زعم لك زاعم أنه لا يكون حجة في اللغة ولا في النحو فاعلم أنه مبطل، وأنه غافل لا يدري ما يقول. ولو رجعت إلى الخزانة التي نقلت عنها (وحسبك ولا أزيدك) علمت أن صاحبك نقل الذي نقلت لي في كلامك، وأنه رجل عالم طالبُ حق لا مغرور بباطل، فقد ذكر وجوه اعتراض المبطلين في الاحتجاج بالحديث ثم نقضها حجة حجة، وصرح بأن تدوين الأحاديث وضبطها وقع في الصدر الأول من الإسلام قبل أن تفسد اللغة وترتضخ الألسنة باللكنة الأعجمية، كما يعلم ذلك من درس تاريخ رواية الحديث وتدوينه حقّ دراسته، ثم صرح في آخر كلامه بأن لا فرق بين جميع روايات الحديث مهما اختلفت ألفاظها، في صحة الاستدلال بها في اللغة والنحو. وكنت حقيقًا أن تقرأ كلَّ هذا قراءة طالب العلم، فلا تسألني أن أغلق باب الاستشهاد بالحديث، من أجل كلمات رويتها لم تحسن وضعها في مواضعها.
وإلا فحدثني أيها العزيز لم ترى علماء اللغة، كصاحب اللسان، وابن الأثير، والزمخشري صاحبك وصاحب كتاب الفائق، وسواهم ممن عرفت ومن لم
(١) على ما خيَّلت: على غَرَر من غير يقين، وأصله مثل، وتمامه: على ما خيلت وَعْثُ القَصِيم.