فهذِي ثلاثون سنة من الإهمال والتغاضي والجحود والنكران لإنتاج علَّامة فذّ، لم يَجُد الزمن بضَرِيبة له منذ عبد القادر البغدادي.
وليت الأمر من إهمال مُسْتشنَع اقتصر على عِلْم الأستاذ شاكر وجهوده في ميادين التحقيق والأدب والشعر، بل تعداه إلى ماهو أشد وأنكى وأبشع، تعداه إلى كفاحه الطويل وجهاده العنيد في شمم وإباء وعزم ومضاء في سبيل أمته العربية: أرضها، ووحدتها، وحريتها، وقوميتها، ودينها ولغتها. فهو كما قال عن نفسه بحق -ونقلت ذلك في صدر هذا التقديم- إنه جندي من جنود العربية، نصب نفسه للدفاع عن أمته.
دافع عن مصر دفاعًا مجيدًا وهاجم ساستها هجومًا عنيفًا، واتهمهم بأنهم صنائع بريطانيا، شَنَّ عليهم وعليها غارة شَعْواء، وتمسَّك بشِعار فتى مصر مصطفى كامل -رحمه الله- "لا مفاوضة إلا بعد الجلاء". يقول الأستاذ شاكر مخاطبًا من اختاروا حَلَّ القضية المصرية عن طريق التفاوض مع بريطانيا "وليعلم هؤلاء المفاوضون أنهم لا يملكون التصرف في رقاب أهل مصر الحاضرين، ولا في رقاب الأجيال الآتية، وأنهم وإن كانوا مصريين كرامًا، إلا أن مصر خالدة على وجه الدهر، وهي أكرم على أبنائها ورجالها الآتين. . . ونحن الشباب الناشيء نعرف أن الحياة لا معنى لها إذا خلت من الشرف والكرامة، وأن الشرف والكرامة عندئذ هي الموت. فَلْنَمُت كرامًا صادقين، فذلك خير من أن نعيش أذلَّاء مُسْتَعْبَدِين"(١).
ونافح عن قضية وادي النيل، فهو مصري سوداني، وإن شئت سوداني مصري، يقول واصفًا العلاقة بين شطري الوادي "فالحقيقة التي ينبغي أن لا نتمارَى فيها بالعصبية أو الكبرياء هي أن السودان سيد هذا الوادي الَّذي يمده النيل بمائه. وإذن فالسودان هو أحق الشقيقين باسم الدولة، فإما أن يسمى وادي
(١) "اسلمي يا مصر"، مجلة الرسالة، العدد ٦٩٤، سنة ١٩٤٦، ص ١١٥٩، والمقالات ١: ٣١٣.