وخمسين سنة. كان عالما لا يُبارى، وكان في حالة فقر شديدة في أول أمره وهو عالم من علماء الأزهر. وكان في أول أمره فقيرا شديد الفقر. وكرهه الأزهريون لأنه كان لا يدرس إلا الأدب، كتاب "الكامل" للمبرد و"الحماسة" لأبي تمام، فأغفلوه إلى أن جاء والدى وكيلًا للأزهر، وكان يعرف فضل الشيخ المرصفي فبحث عنه. وأقص عليكم قصته كما رواها والدى: في غرفه أو غرفتين في حوارى الأزهر العتيقة عرف بيته وذهب إليه فوجده جالسا وحوله الكتب ومحيطا نفسه بدائرة من العسل حتى لا يزحف البق إليه. فعينه والدى مدرسا للأدب، وأنا أدركت الشيخ عندما كنت طالبا في المدارس الثانوية وصاحبته، وهو الذي علمنى العربية وقرأت عليه كتاب "الكامل" للمبرد و"الحماسة" لأبي تمام وفصولا من "أمالى" أبي على القالى. هذا الرجل اشتغل أول أمره مصححا في دار الكتب. وقد نشر كتابا واحدا وهو الجزء الأول من كتاب "الخصائص" لابن جنى، وهي الطبعة الأولى، قبل أن يطبعه كاملا الشيخ النجار في ثلاثة أجزاء. فهذا الرجل بقي في دار الكتب سنين يشتغل مصححا وكانت له خبرة بجميع كتب الأدب التي كانت في دار الكتب، وكان أيضا لا يحب أن يبوح بعلمه -أشياء معينه لا يخبر أحدا بها. مما قرأته عليه في شرح كتاب الكامل أنه رجع إلى مخطوطة في دار الكتب من ديوان ابن مقبل. لما توفي الشيخ، بحثت عن هذه النسخة في دار الكتب فلم أهتد إليها إلى هذا اليوم.
عندي كلمة أقولها علانية أمامكم جميعا: إن هذه المخطوطات التي يراد فهرستها في مثل هذه الدول -الدول التي نحن فيها الآن- يصح أن تُسْتَرَدّ. فأنا عرفت من والدى -الذي جاء من الصعيد إلى القاهرة في أواخر القرن الثالث عشر الهجرى- أن مكتبة السلطان حسن كانت أكبر المكاتب في مصر، وكان الأمين الذي يحرسها واحد تاجر قصب، له دكان تحت درج المسجد، وكانت الأعاجم تأتيه في لباسهم وزيهم يعطون له ملاليم، فيدخل المسجد ويأتيهم بالكتب، إلى أن بقيت مكتبة السلطان حسن خاوية على عروشها. كنت أحب أن نبدأ فعلا في حركة لاسترداد هذه المخطوطات. لابد من استردادها اليوم