صاحبها أو ضميره، ثم تفصل عن لسانها حاملة آثارا مفصحة، أو مستكنة، أو عالقة، أو ناشبة، في ثنايا الكلام، وفي طواياه، وفي أغواره، دالة على صاحبها دلالة مميزة له من سائر إخوانه من البشر.
حتى إذا ما جاء وقت "الاستبانة"، وهو العمل الثاني لهذه القوة الغريبة الغامضة تلقت "الكلام" الذي يأتيها من خارج، والذي أنشأته أخت لها عند إنسان آخر، انبعثت هذه القوة تمارس عملها الثاني ممارسة خاطفة لأول وهلة، فتهتز لما تلقته، ثم تبدأ تقلب "الكلام" وتفليه بسرعة مذهلة، متدسسة في الثنايا والطوايا، والأغوار، طالبة باحثة عن الآثار التي علقت بالأحرف والكلمات والجمل والتراكيب التي جاءتها من خارج، يعاونها في ذلك جميع صواحباتها في الحلقة المفرغة، (وهي العقل والقلب والنفس). وهذه "الاستبانة" نجدها في أنفسنا وجودا ظاهرا لا خفاء فيه، إذا ما أحسن أحدنا التنبه لهذه اللحظة الخاطفة التي يتم فيها عمل "القدرة على البيان"، إذ هي عندئذ صاحبة السلطان الأعظم على قوى الحلقة المفرغة، وقبل أن تتراخى قبضتها عن صولجانها، ليتاح للعقل أن يهتبل الفرصة ليبسط سلطانه على قوى الحلقة المفرغة، وليتولى عمله في التبين والتمييز ليقضى فيما سمعن جميعًا قضاء فاصلا، ثم يحكم مستقلا بالحكم.
وهذه "الاستبانة" التي تتولاها "القدرة على البيان"، وهي مسيطرة على قوى الحلقة المفرغة، تتطلب ما تتطلب في كل كلام تتلقاه من خارج، هذه الآثار التي ذكرتها آنفا. وهي تفعل ذلك في سرعة خاطفة خارقة لكل مدى تبلغه السرعة، وفي "زمن" مختطف كومضة البرق لا يمكن إدراكه أو تثبيته، ثم تتراخى قبضتها على صولجانها، لكي يمارس أخوها العقل سلطانه القاهر على قوى الحلقة المفرغة، في تبين الكلام وتمييزه. وهو أيضًا يفعل ذلك في سرعة مذهلة، وفي زمن مختطف أيضًا كومضة البرق لا يمكن إدراكه أو تثبيته. ولكن طبيعة العملين:"عمل العقل في التبين والتمييز، وعمل القدرة على البيان في الاستبانة"، وطبيعة السرعة عند كل منهما، مختلفان اختلافا صريحا، نجده في