ويضرب على آذاننا وعلى أبصارنا غشاوة حتى لا نسمع دويها أو نبصر مدى ما هي قادرة على بلوغه، والأمر الذي لا شك فيه أننا قادرون على (حبس النفط) ما صحت عزائمنا على حبسه قهو قوة نملكها ولا تملكنا، ولكن ينبغي أن لا يغيب عنا أن حبس النفط وحده قوة سلبية من ناحية، وقوة ذات أثر إِيجابى من ناحية أخرى. قوة سلبية لأنها لا تنتج بمجردها إنتاجا صحيحا في حياتنا، وهي قوة ذات أثر إيجابى في عالم الاستعمار، لأنها توجب عليه أن يخفض من تفوقه الحربى والصناعى لأن عالم الاستعمار استغفلنا دهرا طويلا، يأخذ المقادير الوافرة من نفطنا بأبخس الأثمان، لكي يستخدمها في تصعيد هذا التفوق المذهل في أدوات الحرب وإنتاج الصناعة لبيع ذلك كله بأفحش الأثمان، وليعيش هو في رغد مترف لا نهاية له ولا لآثاره السيئة في الحضارة، وليتركنا نعيش في قيود من المهانة والضنك والاضطراب والتفكك، تحول بيننا وبين ما هو حق لنا في أن نمارس الحياة الصحيحة وأن نعطى العالم حضارة شريفة بريئة من آثام هذه الحضارة الباغية التي تريد أن تنفرد بالبقاء والخلود في عالم لا يضمن البقاء ولا الخلود للحضارات إذا هي ضلت الطريق السوى. وقد ضلت حضارة الاستعمار ضلالا بعيدا عن كل طريق سَويّ، وهي اليوم تبذل كل جهودها في اتقاء المصير المكتوب عليها بضلالها بيد أنها لن تستطيع ذلك، لأن داءها داء عضال، يعميها عن علاجه ودوائه ما هي فيه من التفوق ومن الغنى ومن السطوة ومن الترف الذي أصبح هدفا لجماهيرها لا تستطيع أن تتخلى عن طلبه طلبا ملحا لا ينقطع ولا يفتر.
وعالم الاستعمار يعرف هذه الحقيقة معرفة واضحة، وهو يعيش أيامه الباقيات في خوف وفزع من هذا المصير المرهوب، المفضى إلى تقوضه ودماره. وهو يعرف أيضا أن الحضارة دول، يتداولها الجنس الإنساني مرة بعد مرة، وأقواما بعد أقوام، فما من حضارة بادت إلا قامت على أنقاضها حضارة أخرى جديدة الشباب، تملك أسباب التفوق والاستمرار. وهو يعلم أيضا علم اليقين، أن عالمنا العربي والإسلامي يرتبط به العالم الإفريقى والأسيوى ارتباطا عضويا، هو المؤهل