المعرفة والعلم. وأقول: نعم، وصدقت ولكن ينبغي أن نكون على بينة من أن هذا القدر من الجهود، لا يستطيع أن يدفع حقائق مخيفة (ظاهرة) كل الظهور. أهمها أن العالم العربي الإسلامي والعالم الإفريقى والآسيوى اللذين يرتبطان به ارتباطا يكاد يكون ارتباطا عضويا، لا يعيش اليوم في حضارة متفوقة ينبع تفوقها من داخله، بل يعيش مستهلكا لإنتاج حضارة عدو متفوق، عدو ماكر يأخذ من هذا العالم بلا حساب، ويعطه بحساب دقيق مقتر لا يرحم، ولا يتعفف عن ارتكاب أخبث الجرائم في حق الإنسان وفي حق الإنسانية.
نحن من أجل ذلك ينبغي أن نكون على حذر دائم اليقظة، حتى لا تغرر بنا هذه الجهود المتواصلة التي بذلناها حتى تطمس الحقيقة الظاهرة الأخرى، وهي أن (شراء السلاح المتفوق) يتوقف على أمرين: على مال متوافر، وعلى رغبة البائع في بيع هذا السلاح المتفوق. فإذا كان مالنا لا يفي بشرائه، أو كان يفي به إلى أجل محدود، ولكنه لا يضمن المدد المستمر الذي يعوض ما يستهلك منه في الحرب أو في الاستعداد لها، فإننا نكون عندئذ على شفا جُرف هار يفضى بنا إلى التمزق والضياع. فهذا خطر لا ينبغي لعاقل أن يسقطه من حسابه، ونحن إن شاء الله قادرون على حسابه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، لأن المال مالنا وفي أيدينا القدرة على تدبيره وتصريفه. ولكن يبقى خطر آخر لا نستطيع أن نملكه قادرين عليه، وهو رغبة البائع الذي يبيعنا السلاح المتفوق، فهذه الرغبة متعلقة بمصالحه، ونابعة من إرادته، ونحن لا نستطيع أن نملك مصالحه إذا رأى هو أن بيعه السلاح لنا ضار بهذه المصالح، ولا نملك أيضا أن تستمر إرادته طبقا لما نريده نحن. فإذا علقنا حياتنا على إرادة لا نملكها، فقد وقعنا في براثن خطر لا يرحم، هو أن تكون إرادة بائع السلاح هي التي تملكنا وتملك مصيرنا، وتملك تدميرنا بين القبض والبسط في أي ساعة يشاء هو، ونحن عندئذ في قبضته بلا إرادة ولا مشيئة.
أما (حبس النفط) وهو الذي هز العالم الاستعمارى هزة دكت كثيرا من قواعده، وأذهلته فترة طويلة، وأحدثت في خططه ومقاصده اضطرابا شديدا، فإنه قوة مخوفة، كان عالم الاستعمار يحاول جاهدا منذ سنين طويلة أن يثبط عزائمنا،