للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الهُدى والعلم كمثَل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقيةٌ قَبِلَتِ الماء فأنبتتِ الكلأ والعُشب الكثير، وكانت منها أجادِبُ أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفةً أخرى إنما هي قيعانٌ لا تُمسِك ماءً ولا تنبت كلأً. فذلك مثل من فقِه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به فعلم وعلَّم، ومثلُ من لم يرفعْ بذلك رأساً ولم يقبلْ هدى الله الذي أُرسلْتُ به".

قال البغوي بعد إيراد هذا الحديث:

العلوم الشرعية قسمان: علم الأصول، وعلم الفروع، أما علم الأصول، فهو معرفة الله سبحانه وتعالى بالوحدانية، والصِّفَات، وتصديق الرسل، فعلى كل مكلفٍ معرفته، ولا ينفع فيه التقليدُ لظهور آياته، ووضوح دلائله، قال الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت: ٥٣].

وأما علمُ الفروع، فهو علم الفقه، ومعرفةُ أحكام الدِّين، فينقسم إلى فرض عينٍ،


= (غيث): الغيث هو المطر.
(الكلأ والعشب): العشب والكلأ والحشيش كلها أسماء للنبات. ولكن الحشيش مختص باليابس. والعشب والكلأ، مقصوراً، مختصان بالرطب. والكلأ بالهمز يقع على اليابس والرطب.
(أجادب): هي الأرض التي لا تنبت كلأ. وقال الخطابي: هي الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع فيه النضوب.
(قيعان): جمع القاع. وهي الأرض المستوية، وقيل الملساء، وقيل التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث.
الفقه في اللغة الفهم.
قال النووي: أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث. ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع. وكذلك الناس. فالنوع الأول من الأرض ينفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتاً. وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها. وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره. فينتفع وينفع. والنوع الثاني من الأرض مالا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها. فينتفع بها الناس والدواب. وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به. فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به. فهؤلاء نفعوا بما بلغهم. والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت، ونحوها. فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها. وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية. فإذا سمعوا العلم فلا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>