والحدث والجنابة، والذِّكْرُ: منه ما يكون بالقلب، وما يكون باللسان، وما يكون بهما، والأول أعلى، وهو المشار إليه في هذا الحديث.
وهو المراد بالذِّكر الكثير في قوله تعالى:{اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}[الأحزاب: ٤١]، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - يذكر الله في جميع أوقاته، ففي وقت الجنابة ودخول الخلاء يقتصر على الذِّكْرِ القلبي.
وفيه إشارة: إلى أن العبد ينبغي له أن لا يخلو عن ذِكْرِ؛ تعالى ساعة.
* * *
٣١٤ - وقال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه -: خرجَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الخلاء، فأتِيَ بطعامٍ، فَذَكرُوا لهُ الوُضُوءَ، فقال:"أُريدُ أنْ أُصلِّيِ فأتوضَّأَ؟ ".
"وقال ابن عباس: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الخَلَاءَ فأتي بطعامٍ، فذكروا له الوضوء"؛ أي: قالوا له: أتتوضأ ثم تأكل.
"فقال: أريد" بحذف همزة الاستفهام؛ أي: أأريد.
"أن أصلي فأتوضأ" بالنصب جواباً للاستفهام الإنكاري؛ والمعنى: لا أريد أن أصلي حتى أفتقر إلى الوضوء.
وأشار بهذا: أن الوضوء شُرِعَ لإقامة الصلاة لا لأكل الطعام، قاله تيسيراً للأمة وتعليماً للرخصة لا لنفي الفضيلة.
* * *
مِنَ الحِسَان:
٣١٥ - قالت مَيْمُونة رضي الله عنها: أجْنَبْتُ أنا ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَة وفضَلَ فيها فَضْلَةٌ، فجاءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا، فقلتُ: إنِّي