ورسولُهُ أعلمُ، قال:"تصَبَّرْ يا أبا ذرٍّ"، قالَ:"كيفَ بكَ يا أبا ذرٍّ إذا كانَ بالمَدينةِ قَتْلٌ تَغْمُرُ الدِّماءُ أَحْجارَ الزَّيْتِ؟ " قال: قلتُ: الله ورسولُهُ أعلمُ، قال:"تأْتي مَنْ أنتَ منهُ" قالَ: قلتُ: وألبَسُ السِّلاحَ؟ قال:"شارَكْتَ القَوْمَ إذاً" قُلتُ: فكيفَ أَصْنعُ يا رسولَ الله؟ قال:"إنْ خَشِيْتَ أنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فأَلْقِ ناحِيةَ ثوبكَ عَلَى وَجْهِكَ لِيَبُوءَ بإثْمِكَ وإِثْمِهِ".
"عن أبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قال: كنتُ رديفاً خلفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً على حمارٍ، فلما جاوزْنا بيوتَ المدينة قال: كيف بك يا أبا ذَرٍّ إذا كان في المدينة جوعٌ"؛ يعني: كيف يكون حالك إذا ظهر فيها قحطٌ وحصل لك جوعٌ؟
"تقوم عن فراشك ولا تَبلُغ مسجدَك حتى يَجهدَك الجوعُ؟ "؛ أي: يُلقيك في الجَهد، وهو المشق؛ يعني: يُزيل قوتَك حتى تعجزَ عن المشي من البيت إلى المسجد.
"قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: تعفَّفْ يا أبا ذَرٍّ"؛ أي: لازِمِ العفةَ، وهي الصلاح والتصبُّر على أذى الجوع، والتقوى والكفُّ عن الحرام وعن سؤال الناس.
"ثم قال: كيف بك يا أبا ذَرٍّ إذا كان في المدينة موتٌ يَبلُغ البيتُ" أراد به: القبر.
"العبدَ حتى إنه يُباع القبرُ بالعبدِ؟ "؛ يعني: يُباع موضعُ كلُّ قبرٍ بعبدٍ؛ يعني: لا يَحفر الحفَّار قبراً حتى يأخذَ عبداً أو قيمتَه بالأجرة، أو لا يجد أحدٌ موضعَ قبرٍ إلا بعبدٍ؛ من كثرة الأموات، وقلة مَن يقوم بأمرهم، أو أنه لا يبقى في كل بيت كان فيه كثيرٌ من الناس إلا عبدٌ يقوم بمصالح ضَعَفَة أهل ذلك البيت.
"قال: قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: تصبَّرْ يا أبا ذَرٍّ"؛ يعني: اصبرْ بالبلاء ولا تَجزعُ تُصِبِ الأجرَ.