وقيل: يجوز إرادة الحقيقة؛ فإن الشياطين أجسامٌ لطيفةٌ قادرة بأقدار الله تعالى على كمال التصرف ابتلاء للبشر.
* * *
٥٠ - وقال:"ما مِنْ بني آدَمَ [مِنْ] مَوْلُودٍ إلَّا يَمسُّهُ الشيطانُ حين يولد، فيَستهلُّ صارخاً من مسِّ الشيطانِ، غيرَ مريمَ وابنها"، رواه أبو هريرة.
"وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صَلَّى الله تعالى عليه وسلم -: ما من مولود من بني آدم إلَّا يمسُّهُ الشيطانُ"؛ يعني: لا يولد مولود في حال من الأحوال إلَّا في حال مسِّ الشيطان.
"حين يولد": قالوا: المراد بالمس هنا: المسُّ الحسي؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسلام -: "كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبه بإصبعه حين يُولَد".
"فيستهلُّ"؛ أي: يصيح.
"صارخاً"؛ أي: رافعاً صوته بالبكاء.
"من مسِّ الشيطان غيرَ مريم وابنها"؛ أي: إلَّا مريم وعيسى عليهما السلام؛ فإنَّ الله تعالى عصمهما من مسِّه؛ لاستجابة دعاء حَنَّةَ أمِّ مريم في حقهما حين قالت:{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، وتخصيصاً لهما بهذه الفضيلة.
والأوجه أن يراد من المس: الطمعُ في الإغواء، لا حقيقة المسِّ، واستعاذة حَنَّةَ يجوز أن تكون من الإغواء، لا من المس؛ لأنَّ الاستعاذة كانت بعد وضعها، والمسُّ إنَّما كان بحال الولادة.