للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قال قائل: ذكر سيبويه أن الفصل بين (كم) وبين ما نصبته تلك يجوز في (كم) جوازا حسنا؛ لأنه كأنه صار عوضا من التمكن، فيلزم في خمس عشرة ونظائره من (أحد عشر) إلى (تسعة عشر) أن يجوز الفصل جوازا حسنا، فللمحتج عن سيبويه أن يقول: قد كثر الكلام ب (كم) لأنه في كل مستفهم عنه من المقدار فاجتمع كثرة الاستعمال إلى منع التمكن، ولم تكثر في باب (خمسة عشر).

والذي عندي أن جواز ذلك في (كم) لكثرة استعمالها وترددها في المواضع واعلم أنه يجوز أن تحذف من (كم) مفسره كما تحذف من عشرين ونظائره، وتكتفي بالدلالة عليه مما يجري (ذكره) أو مما يقتضيه الكلام ولا

يكون مميزه إلا واحدا منكورا من النوع، كما لا يكون إلا ذلك في عشرين ونظائره.

فإذا لم يكن بعد (كم) ما يصح أن يكون مميزا له علمت أنه قد حذف مميّزه وذلك قولك كم عبد الله ماكث، فعبد الله مبتدأ، وماكث خبره، وعريت (كم) من ذكر المميز، وكانت مسألة السائل عن مقدار مكث عبد الله من الزمان، فقدرت كم يوما أو كم شهرا، أو ما أشبه ذلك، وكم في موضع نصب، ينصبه ماكث، وهو ظرف من الزمان، ولأن (كم) يسأل بها عن كل مقدار جاز أن يسأل بها عن الزمان وعن المكان وعن المصادر وعن الأسماء.

فعن أي شيء سئل بها صارت من ذلك الجنس، فإذا قلت: كم سرت؟ وأنت تريده ما ساره من المسافة فهو ظريف من المكان، كأنك قلت: كم فرسخا سرت، أو كم ميلا، ونحو ذلك.

وإذا أردت مساره من الأيام فهو ظرف من الزمان، وتقديره: كم يوما سرت؟ أو كم ساعة، أو نحو ذلك مما تقصد ويفهم عنك.

فإذا قلت: كم غلمانا لك لم يجز على وجه من الوجوه؛ لأنك إن نصبت غلمانا على التمييز لم يجز؛ لأن (كم) في الاستفهام لا يميز إلا بواحد، كعشرين.

وإن أردت نصبها على الحال لم يجز؛ لأن العامل (لك) وهي مؤخرة، فلا يجوز ذلك. كما لا يجوز: زيد- قائما- فيها.

فإن قدمت فقلت: كم لك غلمانا جاز كما يجوزه عبد الله- فيها قائما، وتقديره:

كم مماليكك في حال ما هم غلمان، أو كم ولدك غلمانا، كما تقول: لك مائة بيضا، أي في حال ما هي بيض.

وإذا قال: كم غلمان لك فتقديره: كم غلاما غلمان لك، فيكون كم مبتدأ،

<<  <  ج: ص:  >  >>