قال أبو سعيد: قصد سيبويه في هذا الباب إلى آخره ذكر أسماء لا تدخل عليها الألف واللام، وأنها مع امتناع دخول الألف واللام عليها منكورة بدلائل النكرة عليها، وجعل دلائل التنكر فيها أنها توصف بالأسماء النكرات، وتوصف بها الأسماء النكرات.
فمن تلك الأسماء: خير منك، وأول فارس، وكلّ مال عندك، وقد وصف بهنّ نكرات ووصفن بنكرات في قوله:
أول فارس شجاع مقبل.
ويكشف ما قاله سيبويه بأن يراد فيه أنهن يوصفن بنكرات يمكن دخول الألف واللام عليها، فلا تدخل نحو: أول فارس شجاع، ولا يقال الشجاع، وامتناع دخول الألف واللام عليها أن مواضعهن أوجبت لها التنكير، فمنها أن أفعل إنما يضاف إلى جمع أو واحد منكور في معنى الجمع؛ كقولنا: أفضل رجل، وخير رجل، بمعنى أفضل الرجال، وخير الرجال على التخفيف، والاقتصار على أخف لفظ، ويدل على ذلك الواحد، وهو الواحد المنكور من الجنس، وكذلك: أفضل منك، وخير منك، وجميع باب أفعل منك لا يكون إلّا نكرة، لما قد ذكرت في موضعه مما أوجبت التنكير.
فإن قال قائل: فأنتم قد تصفون المعارف بالنكرات في قولك: إنّي لأمرّ بالصادق غير الكاذب، وإنّي لأمرّ بالرجل مثلك. قيل له: إنما جاز وصفه بذلك لأنه لا يمكن دخول الألف واللام على غيرك ومثلك، ولو جئنا بشيء يمكن دخول الألف واللام عليه من المنكرات ما جاز الوصف به إلّا بدخول الألف واللام، وعليه لو قلت: إني لأمرّ بالرجل الغريب أو بالصادق المحق، ما جاز أن تقول إنّي لأمرّ بالرجل غريب، ولا بالصادق محق، ومن دلائله: عشرون درهما، وثلاثون يوما، وما أشبه ذلك؛ لأن المميز واحد منكور؛ لأنه أخفّ لفظ يدلّ على النوع، ولا تدخل عليها الألف واللام، ثم واصل الاحتجاج لذلك والاستشهاد بالنظائر بما يكشف لأفهام المتكلمين بكلام بيّن إلى آخر الباب.
قال: " ومثل ذلك: هذا أيّما رجل منطلق، وهذا حسبك من رجل منطلق.
(١) البيتان لذي الإصبع العدواني في شرح ابن يعيش ٣/ ١٠١، وخزانة الأدب ٢/ ٤٠٦.