للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنّى وإيّاك إذ حلّت بأرحلنا ... كمن بواديه بعد المحل ممطور (١)

جرّ ممطور لأنه صفة من، كأنه قال: كإنسان ممطور. قال: وأما هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢) فرفعه على وجهين: على شيء لديّ عتيد، يجعل ما بمنزلة شيء، كأنه قال:

هذا شيء لديّ عتيد.

وقد أدخلوا في قول من قال نكرة فقالوا: هل رأيتم شيئا يكون موصوفا لا يسكت عليه؟ فقالوا: نعم يا أيها الرجل. الرجل وصف لقوله يا أيها، ولا يجوز أن يسكت على يا أيّها، فربّ اسم لا يحسن عليه عندهم السكوت حتى يصفوه وحتى يصير وصفه عندهم كأنه به يتم الاسم؛ لأنهم إنما جاءوا بأيّها ليصلوا إلى نداء الذي فيه الألف واللام، فلذلك

جيء به. كذلك (من) و (ما) إنما يذكران لحشوهما ولوصفهما، ولم يرد بهما خلوين شيء، ولزمهما الوصف كما لزمهما الحشو، وليس لهما بغير حشو ولا وصف معنى، فمن ثم كان الوصف والحشو واحدا، فالوصف قولك: مررت بمن صالح، فصالح وصف. وإن أردت الحشو قلت: بمن صالح، فيصير صالح خبرا لشيء مضمر، كأنك قلت: مررت بمن هو صالح، والحشو لا يكون أبدا ل (من) و (ما) إلّا وهما معرفة؛ وذلك من قبل أن الحشو إذا صار فيهما أشبهتا الذي، فكما أنّ الذي لا يكون إلا معرفة لا تكون من وما إذا كان الذي بعدهما حشوا وهو الصلة إلّا معرفة وتقول: هذا من أعرف منطلق، فتجعل أعرف صفة. يصير كأنك قلت: هذا من معروف منطلق، بمنزلة رجل معروف.

وتقول هذا من أعرف منطلقا، تجعل أعرف صلة. وقد يجوز منطلق على قولك:

هذا عبد الله منطلق ومثل ذلك: الجمّاء الغفير، فالغفير وصف لازم، وهو توكيد؛ لأنّ الجمّاء الغفير مثل، فلزم الغفير كما لزم ما في قولك: إنك ما وخبزا، والخبز في هذا ونحوه عند أصحابنا محذوف، وتقديره إنك وخبزا مقرونان، وما زائدة، وهي لازمة عوضا عن المحذوف، ومثل هذا: كل رجل وقرينه، وكل إنسان وصنعته، عند أصحابنا البصريين الخبر محذوف، وتقديره: كلّ رجل وقرينه مقرونان، وكذلك كل إنسان وصنعته، وعند الكوفيين


(١) ديوان الفرزدق، ص: ٢٦٣، وروايته:
إني وإيّاك إن بلّغن أرحلنا ... كمن بواديه بعد المحل ممطور.
(٢) سورة ق، الآية: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>